-->
5024683318280263
recent
المواضيع الحديثة

مقالة جدلية حول هل الاستقراء أساسه تجريبي أم عقلي؟ للشعب العلمية و التقنية

الخط
* مقالة جدلية حول هل الاستقراء أساسه تجريبي أم عقلي؟ (مرشحة بقوة لشهادة البكالوريا) للشعب العلمية و التقنية.
من اعداد الاستاذ القدير صوالحي جعلها الله في ميزان حسناته.

مقدمة:طرح المشكلة
إن الاستقراء هو الحكم على الكل انطلاقا من الجزء , أي الارتقاء من الخاص إلى العام أو تعميم الحكم الملاحظ على مستوى الظواهر الجزئية إلى الظواهر الكلية . لكن ليس مهما ضبط المفهوم بل إشكالية تبريره أثارت جدلا بين التجريبيين و العقليين , حيث اعتقد الحسيون انه لا يرقى إلى الشرعية المنطقية في حين أكد العقليون انه صحيح منطقيا . لذا هل من صواب بين القبول و الرفض ؟ و هل من مبرر منطقي يؤكد إمكانية تعميم الحكم الاستقرائي ؟ بل ما هو السند العقلي الذي يضمن قبول النتيجة القائلة أن المعادن تتمدد بالحرارة انطلاقا من ملاحظة عينات عن المعادن ؟ وهل يمكن الحكم على ما لم نشاهده بما شاهدناه ؟وعلى أي أساس ينطلق العالم من الجزء إلى الكل، أعلى أساس تجريبي أم عقلي؟

التوسيع: ( محاولة حل المشكلة )

القضية (الاستقراء أساسه عقلي ):
يرى أنصار النزعة العقلية انه يمكن الحكم على ما لم نشاهده انطلاقا مما شاهدناه .أي أن الانتقال من الحكم الجزئي إلى الحكم الكلي له ما يبرره من الناحية المنطقية انطلاقا من أن الكون هو خاضع لنظام و قوانين ثابتة ( السببية , الحتمية , الغائية )

البرهنة :

أكد المفكر الألماني ( ايمانويل كانط ) أن العقل يمتلك مبادئ فطرية سابقة عن التجربة وتمثل التطابق مع الذات و الواقع في آن واحد .ويوجد منها مبدأ السببية الذي يعد أساسا في الاستقراء أي أن وجود كل ظاهرة متوقف على علة معينة .( توجد علاقة تلازم بين العلة و المعلول ) :مثلا تبخر أو تجمد الماء متوقف على وجود العلة المتمثلة في درجة الحرارة اللازمة حيث يقول " إن الاستقراء يقوم على مبدأ السببية العام ". فعندما نلاحظ مثلا "أن الحديد يتمدد بالحرارة , ثم نلاحظ أيضا الذهب و النحاس ... فنجد أنهم يتمددون بالحرارة " هنا تتكون في أذهاننا قاعدة عامة مفادها أن كل المعادن تتمدد بالحرارة , و يكون مبدأ التعميم هذا مؤسس و صحيح منطقيا نظرا لاشتراك أفراد النوع الواحد في نفس الخصائص , هكذا نختزل عدد هائل من الظواهر في عينات معينة .وهو ما يتيح فرصة التنبؤ بحدوث الظواهر قبل وقوعها . وفي ذلك أكد المفكر الألماني ( ليبنتز ) أن كل ظاهرة لها سبب في حدوثها .
ولعل هذا ما دفع شوبنهاور إلى القول:"عندما تحدث حادثة جديدة في شيء أو أشياء واقعية، فمن الضروري أن تنتج عن حالة سابقة عليها"، وهو نفس ما ذهب إليه بوانكاري الذي يرى أن السببية كمبدأ عقلي أساسه التفكير الاستقرائي، وبدونها لا يجد العالم أساسا يعتمد عليه، وحتى في الفلسفة اليونانية أكد أرسطو أن الانتقال من حكم جزئي إلى حكم كلي هو حكم منطقي قوامه العقل.
يعتمد الاستقراء على مبدأ الحتمية ( توفر مجموعة من الشروط ضمن مجموعة من الظروف يؤدي إلى مجموعة من النتائج , وتكرار نفس الشروط ضمن نفس الظروف يؤدي إلى نفس النتائج حتما , مما يتيح فرصة التنبؤ بحدوث الظواهر قبل وقوعها ) أكد (كلود برنارد ) أن تقبل أية ظاهرة خارج نطاق الحتمية يعد إنكارا للعلم . و كذلك أشار (هنري بوانكاري ) أن العلم حتمي و ذلك بالبداهة , و لو لا الحتمية لما أمكن للعلم أن يكون , كما أكد ( لابلاس ) أن الكون هو آلة كبيرة و يمكن التنبؤ فيه بكل ما سوف يحدث مستقبلا, أي ينبغي أن نعتبر الحالة الراهنة للكون أنها نفسها الحالة السابقة ونفسها التي سوف تكون مستقبلا .
يعتمد الاستقراء على فكرة الغائية أي أن لكل ظاهرة غاية في وجودها .لا يمكن معالجة ظواهر الطبيعة دون الاعتماد على هذه المبادئ , لأن كل ظاهرة قبل أن تكون علمية فإنها قد عرضت على الانسجام المنطقي الذي يؤسسه العقل . إن الاستقراء كمفهوم عقلي هو فقط صياغة استنتاجيه للظواهر بمنظور تصاعدي وبذلك ساهم في دعم قيمة العلم ,حيث مكن الباحث من اختزال ذلك الكم الهائل من الظواهر في مجموعة بسيطة من القوانين الفيزيائية التي تتقبلها جميع العقول .
إذن: الاستقراء مشروع من الناحية المنطقية و يمكن الحكم على ما لم نشاهده انطلاقا مما شاهدناه .

نقد:
لا ننكر دور العقل في عملية الاستقراء، لكن الملاحظ أن معظم الادراكات والمعارف التي توصل إليها العلماء تعتمد على المعطيات الحسية التي تفرض نفسها في الواقع، والتي يقدمها الحس في صورة استنتاجات تجريبية. وقد اخطأ ايمانويل كانط عندما حاول تبرير مشروعية الاستقراء بالاستنتاج أي انه انتقل من الكل إلى الجزء قصد شرح الاستقراء الذي يعد انتقالا من الجزء إلى الكل . بل لا وجود لمبادئ فطرية تؤثر في العملية الاستقرائية .

2/ نقيض القضية :
( الاستقراء أساسه تجريبي . لا ترقى الأحكام الاستقرائية إلى الشرعية المنطقية ) يذهب أنصار النزعة التجريبية للتأكيد على مسلمة مضمونها أن الاستقراء له أساس تجريبي ولا يمكن أن يرقى إلى الشرعية المنطقية لأنه لا يمكن مطابقة الفكر للواقع في كل الحالات . كما أن صدق القضايا الاستقرائية في تجربة ما لا يشكل ضمانا قاطعا على صدقها في الظواهر المشابهة في الحاضر أو المستقبل.
البرهنة : أكد المفكر الانجليزي ( دافيد هيوم )" انه ليس هناك أي شيء يؤكد لنا أن المستقبل سيكون نسخة طبق الأصل لما يحدث في الحاضر " أي أن صدق القضايا الاستقرائية في الماضي أو الحاضر ليس دليلا على صدقها في المستقبل , حتى ولو صدقت فان هذا يبررها من الناحية الواقعية ليس من الناحية المنطقية . و هو بذلك ينفي فكرة التلازم بين العلة والمعلول أي يحطم مكانة مبدأ السببية . حيث ارجع فكرة التعاقب بين الظواهر إلى العادة فقط , و هو ما يعني الخبرة أو التجربة .أي إننا تعودنا على مشاهدة ظاهرة البرق أنها تسبق الرعد فاعتقدنا أن الأولى هي علة الثانية , لكن الحقيقة أن كلاهما يحدثان في آن واحد بل فقط سرعة الضوء تسبق سرعة الصوت . كما تعودنا أن الشمس تشرق دوما من الشرق لكن هذا لا يعني إنها تشرق غدا من نفس المكان , كما تعودنا أن نرى الليل يسبق النهار لكن هذا ليس دليلا انه علة للآخر . كل هذه الأدلة جعلت دافيد هيوم يشك في قيمة الاستقراء.
إن الأحكام الاستقرائية التجريبية لا تحمل نفس درجة الصدق الموجودة في الرياضيات أو المنطق لان اليقين هو مفهوم مطابق للعقل و مخالف للتجربة , إذ يمكن أن نثبت مجموع زوايا المثلث انه يساوي --- ( 180 درجة ) لكن لا يمكن التأكيد بصفة مطلقة على حدوث ظاهرة في المستقبل انطلاقا من حدوثها في الحاضر و الماضي .
جون ستيوارت مل : برر الاستقراء من الناحية التجريبية ونفى وجود مبادئ فطرية , بل أكد أن كل المفاهيم بما فيها الرياضية هي ناتجة عن التجربة . وفي ذلك رفض فكرة الفرض العلمي لان العقل يصنع الخيال الذي يعد عائقا في البحث التجريبي . لذا طرح قواعد الاستقراء كبديل عن المبادئ الفطرية. ( قاعدة التلازم في الحضور، بمعنى أنه إذا حضرت العلة لزم حضور المعلول مثل: حضور قذارة الماء يلزم عنه حضور التفوئيد، وقاعدة التلازم في الغياب بمعنى أنه إذا غابت العلة لزم عنها غياب المعلول، مثل إذا غاب الأكسجين غاب التنفس، إضافة إلى قاعدة التلازم في التغيير، وقاعدة البواقي ).
إذن الاستقراء أساسه تجريبي , ولا يمن الحكم على ما لم نشاهده انطلاقا مما شاهدناه .

نقد:
هذا الطرح أنه يبقى نسبيا لأنه لا يمكن تجاهل قيمة مبادئ تطابق الفكر مع الواقع كمبادئ فطرية ساهمت في بناء العلم . من التناقض أن يحطم دافيد هيوم فكرة السببية ويثبت قيمة الاستقراء ,أي التعميم لأنه لا يمكن الانتقال من الجزء إلى الكل إلا باعتماد مبدأ التلازم بين العلة و المعلول . كما لا يمكن أن تعد أية تجربة صحيحة إلا إذا اثبت العقل و المنطق صدقها .

التركيب:
من خلال تقدم يتبين لنا انه لا يمكن اعتبار الاستقراء انه تجريبي بصفة مطلقة ولا يمكن أن يكون عقليا بصفة ثابتة بل انه من ناحية المنطلق هو عقلي انطلاقا من انه استنتاج تصاعدي وبذلك يرقى إلى الشرعية المنطقية . أما من ناحية الممارسة العلمية العملية فانه يبقى تجريبي لأنه يتعامل مع ما هو كائن وينفي كل الصور العقلية . أي أن الاستقراء له ما يبرره علميا استنادا على مبادئ العقل والتجربة.

الخاتمة: حل المشكلة :

وختاما نستنتج أن مشكلة أساس الاستقراء تبقى مطروحة بين التجريب والعقل، فلو نعالج الاستقراء الناقص فهو اقرب إلى العقل من التجربة , أما في حالة معالجة الاستقراء التام فانه اقرب إلى التجربة من العقل لأنه يعتمد على دراسة كل الظواهر الجزئية . ومن ذلك يمكن أن تتم عملية الاستقراء بناءا على العقل ما لم تثبت التجربة عكس ذلك، يقول المفكر الانجليزي برتراند راسل:"إن النظرية التامة في العلم لازالت فوق طاقة البشر ".

قسم مادة الفلسفة للسنة الثالثة ثانوي

موقع السنة الثالثة ثانوي

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

نموذج الاتصال
الاسمبريد إلكترونيرسالة