يسر مدونة التربية و التعليم ان تقدم لكم :
مقالة اللغة و الفكر ( خاصة بشعبة الأداب و الفلسفة ، اللغات ) 2020 - 2021* قيل : "إن الفكر لا يمكن له أن يوجد الا داخل الكلمات ". دافع عن هذه الاطروحة .
- طرح المشكلة :
لقد كان الاعتقاد السائد لدى عامة الناس و حتى بعض الفلاسفة و المفكرين بان اللغة و الفكر منفصلان و لا يمكن لهما أن يتصلا. غير أن هناك من اعتقد أنهما مترابطان و لا يمكن الفصل بينهما بأي شكل من الأشكال ، ومن خلال هذا الاعتقاد الأخير نحاول أن نثبت بأنه فعلا اللغة والفكر شيء واحد ، فكيف يمكننا حقا أن نثبت هذه العلاقة التلازمية بين اللغة و الفكر ؟. وما هي جملة الأدلة و البراهين التي تدعم هذا الطرح ؟.
- محاولة حل المشكلة :
1- عرض منطق الأطروحة :
يرى أنصار الاتجاه الأحادي أن اللغة و الفكر شيء واحد لا يمكن الفصل بينهما. إذ لا وجود للفرق بين اللغة و الفكر بحسب جون لوك: حيث يعتبر اللغة علامات حسية معينة وظيفتها الدلالة عن الأفكار الموجودة في الذهن كما اعتبر دولا كروا: بان: "اللغة تصنع الفكر والفكر يصنعها". لذا قيل "أن التفكير الصامت الذي يوحي لنا بوجود حياة باطنية ما هو إلا حوار داخلي يتم بين الذات ونفسها ومن هذا يتبين أن اللغة والفكر متصلان "، وقد عبر عن هذا كلا من العالم اللساني دوسوسير و لافيل بان ما يميز اللغة والفكر هو الاتصال والترابط بينهما ويضيف هيجل بان العلاقة بين اللغة والفكر هي علاقة تلازم و تبعية و قد صدق لافيل حين قال: " ليست اللغة كما يعتقد البعض ثوب الفكر بل هي جسمه الحقيقي " و قد نستمد دليلا من الواقع بان نلقي نظرة و لو بسيطة على تلاميذ المدارس ، فنجد عجز التلميذ عن التفكير إلا بعد أن يتعلم اللغة.
2- نقد خصوم الاطروحة:
وفي اتجاه أخر نجد للأطروحة السابقة خصوم تمثلوا في دعاة الاتجاه الثنائي بحيث يروا بان اللغة تنفصل انفصال تام عن الفكر و لا تتصل به كون الفكر له السبق عن اللغة و من ابرز دعاة هذا المذهب الفيلسوف برغسون و الذي صرح قائلا "اعتقد بأننا نملك أفكارا أكثر مما نملك اصواتا " ثم يضيف قائلا :" الفكر ذاتي بينما اللغة موضوعية واجتماعية ". وهذا يدل على أن تطور المعاني "الفكر " أسرع من تطور اللغة "
لكن يبقى هذا الموقف نسبي إذ من الملاحظ أن أصحاب هذا الطرح نظروا الى وجود سبق بين حقيقة اللغة و الفكر لكن هذه الأسبقية فهي من الناحية المنطقية وليست من الناحية الزمنية ، وإلا فكيف لنا أن نفسر هذه الأسبقية ؟. كما أن الذهن لا يحتوي على أشكال خاوية اومفاهيم غير مسماة بحسب اميل بينفنيست. وفي نفس المنحى يؤكد الفيلسوف سيروس على استحالت الفصل بين اللغة والفكر بحيث ما يميزهما هو الترابط .ومنه يمكننا أن نقول بان الإقرار بالفصل بين اللغة و الفكر فعل تعسفي ، ذلك لان التقليل من شان اللغة يعني التقليل من شأن الفكر .
3- الدفاع عن الأطروحة بحجج شخصية :
وللتأكيد على صحة الأطروحة والدفاع عنها بحجج جديدة يمكننا أن نقول أن اللغة والفكر ليس سوى مظهرين لعملية نفسية واحدة .كما انه لا توجد أفكار خارج نطاق الكلمات و هو ما عبر عنه الفيلسوف الفرنسي مولير بقوله :"لا يمكن أن يأتي يوم لا تستطيع فيه اللغة الفرنسية أن تعبر عن مشاعري وأحاسيسي"، وهو أيضا ما أكدته جوليا كريستيفيا حيث اعتبرت بان العلاقة الموجودة بين اللغة والفكر أساسها التلازم، ولا تمتاز بالانفصالية كما يؤكد علم النفس بان الطفل لا يقوى على تعلم الأفكار إلا إذا تعلم اللغة و إلا بقي جاهلا بالعالم الخارجي .
- حل المشكلة :
و في الأخير لا يمكننا إلا أن نقول أن الأطروحة القائلة "إن الفكر لا يمكن له أن يوجد خارج الكلمات "، أطروحة صحيحة في سياقها الفلسفي ونسقها يمكن أن نتبناها و ان نأخذ برأي أنصارها كونها مشروعة و يمكن الدفاع عنها .
إرسال تعليق