يسر مدونة التربية و التعليم ان تقدم لكم :
مقالة جدلية : هل يمكن الاستغناء عن الفرضية في المنهج التجريبي ؟ الشعب العلمية 2020 - 2021من اعداد الاستاذ القدير صوالحي جعلها الله في ميزان حسناته.
طرح المشكلة:
من المتعارف عليه هو أن كل الاختراعات والاكتشافات العلمية التي عرفتها البشرية في العصر الحديث ، هي سبب ظهور النهضة الصناعية و الحضارية ، و يعود الفضل في ذلك إلى مطالبة بعض الفلاسفة بالتخلي عن البحث عن اصل الوجود وعلة العلل وغيرها من الافكار الميتافيزيقية ، والتحول نحو دراسة الظواهر الطبيعية التي تحيط بنا وذلك باستخدام المنهج التجريبي ، هذا المنهج يتكون من ثلاث خطوات اهمها الفرضية و هي تلك الفكرة المسبقة التي توحي بها الملاحظة للعالم ، فتكون بمثابة خطوة تمهيدية لوضع القانون العلمي ، وبعبارة أخرى هي الفكرة المؤقتة التي يسترشد بها المجرب في إقامته للتجربة .ولعل هذا ما كان سببا في بروز جدل فلسفي حول قيمة الفرضية باعتبارها فكرة عقلية ، حيث نجد التجريبيين يعترضون عليها و يطالبون بضرورة الاستغناء عنها و الاكتفاء بالملاحظة والفرضية ، في حين يصر العقلانيون على اهميتها و يؤكدون ان التجريب غير ممكن بدونها . و بين هذا و ذاك نطرح الإشكال التالي : هل يمكن اقامة تجارب عملية دون الحاجة إلى الفرضية ؟
محاولة حل المشكلة:
الموقف1:
يذهب أنصار الاتجاه العقلي إلى أن الفرضية كفكرة تسبق التجربة أمر ضروري في البحث التجريبي ومن أهم المناصرين للفرضية كخطوة تمهيدية في المنهج التجريبي نجد بونكاري والفيلسوف الفرنسي كلود برنار ( 1878 – 1813 ) حيث يعتقدون بأنه من المستحيل إقامة تجربة دون الاعتماد على الفرضيات التي تعتبر العمود الفقري للمنهج التجريبي ولا جدوى منه في غيابها وهذا ما يعبر عنه كلود برنار بقوله : " إن التجريب دون فكرة سابقة غير ممكن " وبالتالي نجد كلود برنار يعتبر الفرض العلمي خطوة من الخطوات الهامة في المنهج التجريبي أما المسلمة المعتمدة في هذه الأطروحة هو أن ” العقل أصل المعرفة وبالتالي فهو يعطينا الفكرة التي ننطلق منها في التجربة” ومن الحجج وهو في هذا الصدد نجد أن الانطلاقة الفعلية للتجارب لا تكون من الملاحظة لأن الملاحظة نجدها عند جميع الناس وانما تكون الانطلاقة عندما يتوصل العقل إلى الفرضية المناسبة يقول كلود برنار : « الفكرة هي مبدأ كل برهنة وكل اختراع و إليها ترجع كل مبادرة » ويقول ايضا : « ينبغي بالضرورة أن نقوم بالتجريب مع الفكرة المتكونة من قبل» كما أن المنهج التجريبي هو عبارة عن ثلاث خطوات منظمة ومرتبة تتبع بعضها البعض حيث تتسبب الملاحظة في طرح تساؤلات تؤدي الى وضع الفرضية المناسبة والتي نتأكد من صحتها بواسطة التجربة وإلغاء التجربة يؤدي إلى حدوث خلل في هذا المنهج وبالتالي يستحيل عليه ان يحقق لنا نتائج علمية ولذا يقول كلود برنار : « إن الحادث يوحي بالفكرة والفكرة تقود إلى التجربة وتحكمها والتجربة تحكم بدورها على الفكرة » وهذا ما يؤكده ايضا العالم الفرنسي هنري بوانكاري(1854-1912):َ«إن الملاحظة والتجربة لا تكفيان لإنشاء العلم فمن يقتصر عليهما يجهل صف العلم الأساسية» كما أن غياب الفرضية حسبه يجعل كل تجربة عقيمة وهذا ما جعله يصرح : «ذلك لأن الملاحظة الخالصة و التجربة الساذجة لا تكفيان لبناء العلم » مما يدل على أن الفكرة التي يسترشد بها العالم في بحثه تكون من بناء العقل وليس بتأثير من الأشياء الملاحظة ويقدم لنا كلود برنار أحسن مثال يؤكد فيه عن قيمة الفرضية و ذلك في حديثه عن العالم التجريبي ” فرانسوا هوبير” ، وهو يقول أن هذا العالم العظيم على الرغم من أنه كان أعمى إلا أنه ترك لنا تجارب رائعة كان يتصورها ثم يطلب من خادمه أن يجربها ، ولم تكن عند خادمه هذا أي فكرة علمية ، فكان هوبير العقل الموجه الذي يقيم التجربة لكنه كان مضطرا إلى استعارة حواس غيره وكان الخادم يمثل الحواس السلبية التي تطبع العقل لتحقيق التجربة المقامة من أجل فكرة مسبقة . و بهذا المثال نكون قد أعطينا أكبر دليل على وجوب الفرضية وهي حجة منطقية تبين لنا أنه لا يمكن أن نتصور في تفسير الظواهر عدم وجود أفكار مسبقة و التي سنتأكد على صحتها أو خطئها بعد القيام بالتجربة .
النقد : صحيح أن الفرضية ضرورية للتجريب ولا غنى عنها ولكن كثيرا ما تكون الفرضيات غيبية لا تتلاءم مع الروح العلمية .
الموقف2:
وفي الجهة المقابلة نجد أنصار الفلسفة التجريبية و الذين يقرون بأن الحقيقة موجودة في الطبيعة و الوصول إليها لا يأتي إلا عن طريق الحواس أي أن الذهن غير قادر على أن يقودنا إلى حقيقة علمية,وبالتالي يجب الاستغناء عن الفرضية لأنها تعتبر عائق يقف في وجه التجربة العلمية . فالفروض جزء من التخمينات العقلية لهذا نجد هذا الاتجاه يحاربها بكل شدة ؛ حيث نجد على رأس هؤلاء الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت مل ( 1806 – 1873 ) الذي يقول فيها « إن الفرضية قفزة في المجهول وطريق نحو التخمين ، ولهذا يجب علينا أن نتجاوز هذا العائق وننتقل مباشرة من الملاحظة إلى التجربة » و ينطلقون من المسلمة القائلة : "العقل يولد صفحة بيضاء و يستحيل عليه ان يعطينا افكارا قابلة للتجربة " و حججهم على ذلك هي أن الفرضية حسب النزعة التجريبية تبعد المسار العلمي عن منهجه الدقيق لاعتمادها على الخيال والتخمين المعرض للشك في النتائج – لأنها تشكل الخطوة الأولى لتأسيس القانون العلمي بعد أن تحقق بالتجربة – هذا الذي دفع من قبل العالم نيوتن إلى القول : « أنا لا أصطنع الفروض » كما نجد “ما جندي” يرد على تلميذه كلود برنار : «اترك عباءتك ، و خيالك عند باب المخبر » حيث يؤكد أن الفرضية تقيد الملاحظة فيصبح العالم أسير أوهامه و تخيلاته اللامتناهية وهو ما ينعكس سلبا على التجربة و يحول دون إدراك الحقيقة العلمية ويشوه صورتها الصادقة.حيث نجده يقول" إن الملاحظة الجيدة تغنينا عن سائر الفروض " وقد استبدل ميل الفرضية بمجموعة من القواعد سماها بقواعد الاستقراء متمثلة في :( قاعدة الاتفاق أو التلازم في الحضور _ قاعدة الاختلاف أو التلازم في الغياب– قاعدة التلازم في التغير أو التغير النسبي – قاعدة البواقي) وهذه القواعد حسب ” ميل ” تغني البحث العلمي عن الفروض العلمية .
النقد: صحيح أن الفروض كثيرا ما تكون خارج الإطار وتعيق التجريب ولكن النزعة التجريبية قبلت المنهج الاستقرائي و قواعده لكنها تناست أن هذه المصادر هي نفسها من صنع العقل مثلها مثل الفرض أليس من التناقض أن نرفض هذا و نقبل بذاك .
التركيب:
من الرأيين السابقين ندرك أن الفرضية شرط ضروري للتجريب ويستحيل علينا الاستغناء عنها و لكن ينبغي ان تكون نابعة من الروح العلمية بعيدا عن الغيبيات ,لقد أحدثت فلسفة العلوم ( الابستمولوجيا ) تحسينات على الفرض – خاصة بعد جملة الاعتراضات التي تلقاها من النزعة التجريبية – ومنها : أنها وضعت لها ثلاثة شروط ( الشرط الأول يتمثل : أن يكون الفرض منبثقا من الملاحظة ، الشرط الثاني يتمثل : ألا يناقض الفرض ظواهر مؤكدة تثبت صحتها ، أما الشرط الأخير يتمثل : أن يكون الفرض كفيلا بتفسير جميع الحوادث المشاهدة ) ، كما أنه حسب “عبد الرحمان بدوي ” (1917 – 2002) لا نستطيع الاعتماد على العوامل الخارجية لتنشئة الفرضية لأنها برأيه « … مجرد فرص ومناسبات لوضع الفرض … » بل حسبه أيضا يعتبر العوامل الخارجية مشتركة بين جميع الناس ولو كان الفرض مرهونا بها لصار جميع الناس علماء وهذا أمر لا يثبته الواقع فالتفاحة التي شاهدها نيوتن شاهدها قبله الكثير لكن لا أحد منهم توصل إلى قانون الجاذبية . ولهذا نجد عبد الرحمان بدوي يركز على العوامل الباطنية ؛ «… أي على الأفكار التي تثيرها الظواهر الخارجية في نفس المشاهد » كما أن الكثير من الإكتشافات العلمية كان الفضل فيها يعود الى الملاحظة فقط كما هو الشأن مع لويس باستور الذي افترض ان الهواء يحتوي على جراثيم وهي التي تسبب التعفن رغم انه لم يتمكن من ملاحظة ذلك .
– وكمساهمة مني اعتقد أن الفرض من أكثر المساعي العلمية فعالية ، بل هو المسعى الأساسي الذي يعطي المعرفة العلمية خصبها سواء كانت صحته مثبتة أو غير مثبتة ، لأن الفرض الذي لا تثبت صحته يساعد بعد فشله على توجيه الذهن و جهة أخرى وبذلك يساهم في إنشاء الفرض من جديد ؛ فالفكرة إذن منبع رائع للإبداع مولد للتفكير في مسائل جديدة لا يمكن للملاحظة الحسية أن تنتبه لها بدون الفرض العلمي .
حل المشكلة :
نستنتج في الأخير أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار دور الفرضية أو استبعاد آثارها من مجال التفكير عامة ، لأنها من جهة أمر عفوي يندفع إليه العقل الإنساني بطبيعته ، ومن جهة أخرى و هذه هي الصعوبة ، تعتبر أمرا تابعا لعبقرية العالم و شعوره الخالص و قديما تنبه العالم المسلم الحسن بن الهيثم ( 965 – 1039 ) – قبل كلود برنار _ في مطلع القرن الحادي عشر بقوله عن ضرورة الفرضية « إني لأصل إلى الحق من آراء يكون عنصرها الأمور الحسية و صورتها الأمور العقلية » و معنى هذا أنه لكي ينتقل من المحسوس إلى المعقول ، لابد أن ينطلق من ظواهر تقوم عليها الفروض ، ثم من هذه القوانين التي هي صورة الظواهر الحسية .و هذا ما يأخذنا في نهاية المطاف الى التأكيد على قيمة الفرضية .
من المتعارف عليه هو أن كل الاختراعات والاكتشافات العلمية التي عرفتها البشرية في العصر الحديث ، هي سبب ظهور النهضة الصناعية و الحضارية ، و يعود الفضل في ذلك إلى مطالبة بعض الفلاسفة بالتخلي عن البحث عن اصل الوجود وعلة العلل وغيرها من الافكار الميتافيزيقية ، والتحول نحو دراسة الظواهر الطبيعية التي تحيط بنا وذلك باستخدام المنهج التجريبي ، هذا المنهج يتكون من ثلاث خطوات اهمها الفرضية و هي تلك الفكرة المسبقة التي توحي بها الملاحظة للعالم ، فتكون بمثابة خطوة تمهيدية لوضع القانون العلمي ، وبعبارة أخرى هي الفكرة المؤقتة التي يسترشد بها المجرب في إقامته للتجربة .ولعل هذا ما كان سببا في بروز جدل فلسفي حول قيمة الفرضية باعتبارها فكرة عقلية ، حيث نجد التجريبيين يعترضون عليها و يطالبون بضرورة الاستغناء عنها و الاكتفاء بالملاحظة والفرضية ، في حين يصر العقلانيون على اهميتها و يؤكدون ان التجريب غير ممكن بدونها . و بين هذا و ذاك نطرح الإشكال التالي : هل يمكن اقامة تجارب عملية دون الحاجة إلى الفرضية ؟
محاولة حل المشكلة:
الموقف1:
يذهب أنصار الاتجاه العقلي إلى أن الفرضية كفكرة تسبق التجربة أمر ضروري في البحث التجريبي ومن أهم المناصرين للفرضية كخطوة تمهيدية في المنهج التجريبي نجد بونكاري والفيلسوف الفرنسي كلود برنار ( 1878 – 1813 ) حيث يعتقدون بأنه من المستحيل إقامة تجربة دون الاعتماد على الفرضيات التي تعتبر العمود الفقري للمنهج التجريبي ولا جدوى منه في غيابها وهذا ما يعبر عنه كلود برنار بقوله : " إن التجريب دون فكرة سابقة غير ممكن " وبالتالي نجد كلود برنار يعتبر الفرض العلمي خطوة من الخطوات الهامة في المنهج التجريبي أما المسلمة المعتمدة في هذه الأطروحة هو أن ” العقل أصل المعرفة وبالتالي فهو يعطينا الفكرة التي ننطلق منها في التجربة” ومن الحجج وهو في هذا الصدد نجد أن الانطلاقة الفعلية للتجارب لا تكون من الملاحظة لأن الملاحظة نجدها عند جميع الناس وانما تكون الانطلاقة عندما يتوصل العقل إلى الفرضية المناسبة يقول كلود برنار : « الفكرة هي مبدأ كل برهنة وكل اختراع و إليها ترجع كل مبادرة » ويقول ايضا : « ينبغي بالضرورة أن نقوم بالتجريب مع الفكرة المتكونة من قبل» كما أن المنهج التجريبي هو عبارة عن ثلاث خطوات منظمة ومرتبة تتبع بعضها البعض حيث تتسبب الملاحظة في طرح تساؤلات تؤدي الى وضع الفرضية المناسبة والتي نتأكد من صحتها بواسطة التجربة وإلغاء التجربة يؤدي إلى حدوث خلل في هذا المنهج وبالتالي يستحيل عليه ان يحقق لنا نتائج علمية ولذا يقول كلود برنار : « إن الحادث يوحي بالفكرة والفكرة تقود إلى التجربة وتحكمها والتجربة تحكم بدورها على الفكرة » وهذا ما يؤكده ايضا العالم الفرنسي هنري بوانكاري(1854-1912):َ«إن الملاحظة والتجربة لا تكفيان لإنشاء العلم فمن يقتصر عليهما يجهل صف العلم الأساسية» كما أن غياب الفرضية حسبه يجعل كل تجربة عقيمة وهذا ما جعله يصرح : «ذلك لأن الملاحظة الخالصة و التجربة الساذجة لا تكفيان لبناء العلم » مما يدل على أن الفكرة التي يسترشد بها العالم في بحثه تكون من بناء العقل وليس بتأثير من الأشياء الملاحظة ويقدم لنا كلود برنار أحسن مثال يؤكد فيه عن قيمة الفرضية و ذلك في حديثه عن العالم التجريبي ” فرانسوا هوبير” ، وهو يقول أن هذا العالم العظيم على الرغم من أنه كان أعمى إلا أنه ترك لنا تجارب رائعة كان يتصورها ثم يطلب من خادمه أن يجربها ، ولم تكن عند خادمه هذا أي فكرة علمية ، فكان هوبير العقل الموجه الذي يقيم التجربة لكنه كان مضطرا إلى استعارة حواس غيره وكان الخادم يمثل الحواس السلبية التي تطبع العقل لتحقيق التجربة المقامة من أجل فكرة مسبقة . و بهذا المثال نكون قد أعطينا أكبر دليل على وجوب الفرضية وهي حجة منطقية تبين لنا أنه لا يمكن أن نتصور في تفسير الظواهر عدم وجود أفكار مسبقة و التي سنتأكد على صحتها أو خطئها بعد القيام بالتجربة .
النقد : صحيح أن الفرضية ضرورية للتجريب ولا غنى عنها ولكن كثيرا ما تكون الفرضيات غيبية لا تتلاءم مع الروح العلمية .
الموقف2:
وفي الجهة المقابلة نجد أنصار الفلسفة التجريبية و الذين يقرون بأن الحقيقة موجودة في الطبيعة و الوصول إليها لا يأتي إلا عن طريق الحواس أي أن الذهن غير قادر على أن يقودنا إلى حقيقة علمية,وبالتالي يجب الاستغناء عن الفرضية لأنها تعتبر عائق يقف في وجه التجربة العلمية . فالفروض جزء من التخمينات العقلية لهذا نجد هذا الاتجاه يحاربها بكل شدة ؛ حيث نجد على رأس هؤلاء الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت مل ( 1806 – 1873 ) الذي يقول فيها « إن الفرضية قفزة في المجهول وطريق نحو التخمين ، ولهذا يجب علينا أن نتجاوز هذا العائق وننتقل مباشرة من الملاحظة إلى التجربة » و ينطلقون من المسلمة القائلة : "العقل يولد صفحة بيضاء و يستحيل عليه ان يعطينا افكارا قابلة للتجربة " و حججهم على ذلك هي أن الفرضية حسب النزعة التجريبية تبعد المسار العلمي عن منهجه الدقيق لاعتمادها على الخيال والتخمين المعرض للشك في النتائج – لأنها تشكل الخطوة الأولى لتأسيس القانون العلمي بعد أن تحقق بالتجربة – هذا الذي دفع من قبل العالم نيوتن إلى القول : « أنا لا أصطنع الفروض » كما نجد “ما جندي” يرد على تلميذه كلود برنار : «اترك عباءتك ، و خيالك عند باب المخبر » حيث يؤكد أن الفرضية تقيد الملاحظة فيصبح العالم أسير أوهامه و تخيلاته اللامتناهية وهو ما ينعكس سلبا على التجربة و يحول دون إدراك الحقيقة العلمية ويشوه صورتها الصادقة.حيث نجده يقول" إن الملاحظة الجيدة تغنينا عن سائر الفروض " وقد استبدل ميل الفرضية بمجموعة من القواعد سماها بقواعد الاستقراء متمثلة في :( قاعدة الاتفاق أو التلازم في الحضور _ قاعدة الاختلاف أو التلازم في الغياب– قاعدة التلازم في التغير أو التغير النسبي – قاعدة البواقي) وهذه القواعد حسب ” ميل ” تغني البحث العلمي عن الفروض العلمية .
النقد: صحيح أن الفروض كثيرا ما تكون خارج الإطار وتعيق التجريب ولكن النزعة التجريبية قبلت المنهج الاستقرائي و قواعده لكنها تناست أن هذه المصادر هي نفسها من صنع العقل مثلها مثل الفرض أليس من التناقض أن نرفض هذا و نقبل بذاك .
التركيب:
من الرأيين السابقين ندرك أن الفرضية شرط ضروري للتجريب ويستحيل علينا الاستغناء عنها و لكن ينبغي ان تكون نابعة من الروح العلمية بعيدا عن الغيبيات ,لقد أحدثت فلسفة العلوم ( الابستمولوجيا ) تحسينات على الفرض – خاصة بعد جملة الاعتراضات التي تلقاها من النزعة التجريبية – ومنها : أنها وضعت لها ثلاثة شروط ( الشرط الأول يتمثل : أن يكون الفرض منبثقا من الملاحظة ، الشرط الثاني يتمثل : ألا يناقض الفرض ظواهر مؤكدة تثبت صحتها ، أما الشرط الأخير يتمثل : أن يكون الفرض كفيلا بتفسير جميع الحوادث المشاهدة ) ، كما أنه حسب “عبد الرحمان بدوي ” (1917 – 2002) لا نستطيع الاعتماد على العوامل الخارجية لتنشئة الفرضية لأنها برأيه « … مجرد فرص ومناسبات لوضع الفرض … » بل حسبه أيضا يعتبر العوامل الخارجية مشتركة بين جميع الناس ولو كان الفرض مرهونا بها لصار جميع الناس علماء وهذا أمر لا يثبته الواقع فالتفاحة التي شاهدها نيوتن شاهدها قبله الكثير لكن لا أحد منهم توصل إلى قانون الجاذبية . ولهذا نجد عبد الرحمان بدوي يركز على العوامل الباطنية ؛ «… أي على الأفكار التي تثيرها الظواهر الخارجية في نفس المشاهد » كما أن الكثير من الإكتشافات العلمية كان الفضل فيها يعود الى الملاحظة فقط كما هو الشأن مع لويس باستور الذي افترض ان الهواء يحتوي على جراثيم وهي التي تسبب التعفن رغم انه لم يتمكن من ملاحظة ذلك .
– وكمساهمة مني اعتقد أن الفرض من أكثر المساعي العلمية فعالية ، بل هو المسعى الأساسي الذي يعطي المعرفة العلمية خصبها سواء كانت صحته مثبتة أو غير مثبتة ، لأن الفرض الذي لا تثبت صحته يساعد بعد فشله على توجيه الذهن و جهة أخرى وبذلك يساهم في إنشاء الفرض من جديد ؛ فالفكرة إذن منبع رائع للإبداع مولد للتفكير في مسائل جديدة لا يمكن للملاحظة الحسية أن تنتبه لها بدون الفرض العلمي .
حل المشكلة :
نستنتج في الأخير أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار دور الفرضية أو استبعاد آثارها من مجال التفكير عامة ، لأنها من جهة أمر عفوي يندفع إليه العقل الإنساني بطبيعته ، ومن جهة أخرى و هذه هي الصعوبة ، تعتبر أمرا تابعا لعبقرية العالم و شعوره الخالص و قديما تنبه العالم المسلم الحسن بن الهيثم ( 965 – 1039 ) – قبل كلود برنار _ في مطلع القرن الحادي عشر بقوله عن ضرورة الفرضية « إني لأصل إلى الحق من آراء يكون عنصرها الأمور الحسية و صورتها الأمور العقلية » و معنى هذا أنه لكي ينتقل من المحسوس إلى المعقول ، لابد أن ينطلق من ظواهر تقوم عليها الفروض ، ثم من هذه القوانين التي هي صورة الظواهر الحسية .و هذا ما يأخذنا في نهاية المطاف الى التأكيد على قيمة الفرضية .
إرسال تعليق