السلام عليكم و رحة الله تعالى و بركاته
تقدم لكم مدونة التعليم و التربية في الجزائر مقالة فلسفية جدلية حول هل المنهج التجريبي هو مقياس العلم؟ في مادة الفلسفة للسنة الثالثة ثانوي من اجل التحضير لامتحان شهادة الباكالوريا. من اعداد الاستاذ القدير صوالحي جعلها الله في ميزان حسناته.
زورواموقع السنة الثالثة ثانوي لتصفح المزيد من الوثائق و نماذج الاختبارات المتعلقة بجميع شعب السنة الثالثة ثانوي. كما يمكنكم دوما تحميل الملف من خلال الضغط على تحميل الموجودة في الاسفل.
لأي طلبات لا تترددوا، فإن كان في مقدورنا المساعدة فلن نبخل عليكم. أخيرا نطلب منكم أعزائي متتبعي موقع التعليم و التربية في الجزائر مشاركة المواضيع لتعم الفائدة على الجميع.
طرح المشكلة :
لقد عرفت البشرية في العصر الحديث نهضة صناعية وعلمية في مختلف المجالات ، حيث كثرت الاكتشافات والاختراعات ، وتمكن الانسان من فهم الكثير من اسرار الطبيعة وقوانينها ، بفضل العلوم المختلفة التي ظهرت مثل الفيزياء والكيمياء ، وكذا ظهور المنهج التجريبي الذي احدث ثورة علمية في مختلف المجالات . والمنهج التجريبي هو منهجية منظمة تهدف الى دراسة الظواهر الطبيعية واحداثها استنادا الى التجربة ، وهذا المنهج كان سببا في ظهور جدل بين العلماء والفلاسفة ، حيث اعتقد بعضهم انه سبب ظهور العلوم ، وانه هو المقياس الوحيد للعلم . بينما يعترض البعض الاخر على ذلك ، ويصر على ان للعلم مقياس اخر يتمثل في اللغة الرمزية القائمة على أساس الرياضيات . وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل هل يقوم العلم على اساس المنهج التجريبي ام على اساس اللغة الرمزية ؟
محاولة حل المشكلة :
الأطروحة الاولى : يعتقد أنصار المنهج التجريبي ومن بينهم كلود برنار وجون ستيوارت ميل وفرانسيس بيكون أن وجود العلم يتوقف على وجود المنهج التجريبي وبعبارة أخرى ان العلم يستمد مصداقيته وسلامة نتائجه من خلال اعتماده على هذا المنهج الذي يسمح لنا بالتأكد من صحة النتائج ويضفي عليها صبغة علمية ويبررون رأيهم هذا بجملة من الحجج منها :
- ان العلوم لم تظهر الا بعد ظهور المنهج التجريبي اذ يؤكد التاريخ حسب اوغست كونت ان التفكير البشري مر بثلاث مراحل في تاريخه وهي اللاهوتي ثم الفلسفي واخيرا العلمي الذي ظهر بعد ظهور المنهج الاستقرائي ، ففي الماضي كانت الفلسفة تدرس جميع الظواهر بطريقة فلسفية قائمة على الجدل دون الوصول الى حل متفق عليه يلغي المشكلة ، ولكن مع ظهور المنهج التجريبي على يد انصار المذهب التجريبي تخلى العلماء عن التفكير الفلسفي وتحولوا الى دراسة الظواهر الطبيعية عن طريقة التجربة وهذا ما أدى إلى ظهور العلوم المختلفة حيث كانت البداية مع علوم المادة الجامدة وعلى رأسها الفيزياء والكيمياء ثم ظهرت علوم المادة الحية واخيرا العلوم الانسانية التي كانت اخر العلوم انفصالا عن الفلسفة .
- ان المنهج التجريبي هو منهجية منظمة ومضبوطة تعطينا نتائج علمية لا شك فيها ، ذات صبغة علمية . حيث نجد هذا المنهج يتكون من ثلاث خطوات اساسية وهي الملاحظة المتمثلة في مشاهدة الظاهرة من مختلف الجوانب لتكوين فكرة شاملة عنها ثم تأتي مرحلة الفرضية وهي عبارة عن فكرة مؤقتة عن الظاهرة في انتظار التأكد منها بواسطة التجربة والفرضية شرط ضروري في المنهج التجريبي لأنها تحدد لنا نوع التجربة التي يجب القيام بها حيث يقول بوانكاري :" ان التجريب دون فكرة سابقة غير ممكن " و يوافقه كلود برنار بقوله :" ينبغي بالضرورة أن نقوم بالتجريب مع الفكرة المتكونة من قبل " وأخيرا تأتي مرحلة التجربة وهي تكرار الظاهرة في ظروف اصطناعية للتأكد من سلامة الفرضية فان كانت صحيحة تحولت إلى قانون علمي وإن كانت خاطئة بحثنا عن فرضيات جديدة . هذه الخطوات الثلاث يلخصهاكلود برنار في قوله :" يوحي الحادث بالفكرة ، والفكرة تقودنا الى التجربة وتوجهها ، والتجربة تحكم بدورها على الفكرة " .
- ان المنهج التجريبي يمتاز بالمرونة فهو يناسب جميع الظواهر التي نريد دراستها اذ يمكن التخلي عن مرحلة أو أكثر من مراحله ان اقتضت الضرورة ذلك فمثلا لدراسة مركز الارض نكتفي بالفرضيات لأننا لا نستطيع الملاحظة ولا التجريب ومع ذلك تعتبر هذه الطريقة طريقة علمية لأننا لا نملك وسائل اخرى لدراستها عدا المنهج التجريبي يقول كلود برنار :" ان التجريب هو الوسيلة الوحيدة التي نملكها لنطلع على طبيعة الأشياء التي هي خارجة عنا "
النقد : صحيح ان العلم يعتمد على المنهج التجريبي ولكنه ليس المقياس الوحيد للعلم لأننا نجد الرياضيات مثلا هي أشد العلوم دقة ووضوحا ولكنها لا تستخدم المنهج التجريبي
الأطروحة الثانية : في الجهة المقابلة يعتقد انصار الرياضيات ومن بينهم غاليلي وبرغسون ان الرياضيات هي اساس العلم لما تتميز به من لغة رمزية تساعد الباحثين والعلماء على ضبط النتائج على شكل قوانين تحدد العلاقات الثابتة بين مختلف الظواهر وهذه القوانين تكون صالحة لكل زمان ومكان أي أننا لا نستطيع أن نصف نتيجة ما على أنها علمية الا إذا كانت مكتوبة بلغة رمزية حيث قال أوجست كونت :" الرياضيات أكثر من علم إنها النظام العام للفكر و الأشياء" ويبررون رأيهم هذا بعدة حجج نذكر منها :
- ان علم الرياضيات ظهر قبل ظهور المنهج التجريبي بمئات السنين ، ويمتاز هذا العلم عن غيره من العلوم الاخرى بالدقة واليقين ، فلا يوجد علم اخر يضاهي الرياضيات في وضوحها وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى اعتماد الرياضيات على اللغة الرمزية التي تسمح بتبسيط المفاهيم وضبطها بطريقة واضحة يقول برغسون :" الرياضيات هي اللغة الوحيدة التي يجب أن يتكلم بها كل علم" ويقول ثابت الفندي :" إذ أن العلوم الأخرى ، وعلى رأسها الرياضيات، اصطنعت اللغة الرمزية التي اثبت استعمالها أن العلوم غير ممكنة بدونها وفيها يكمن سر النجاح المنقطع النظير في العلوم المضبوطة "
- ان جميع العلوم تعتمد على الرياضيات ، فلا يخلو علم منها ، حيث نجد كل العلوم تعتمد على الرياضيات في ضبط نتائجها بطريقة علمية على شكل قوانين ، لأن " الطبيعة كتبت قوانينها بلغة رياضية " كما يقول غاليلي . بل ونجد الكثير من العلوم التي تعتمد على الرياضيات بصورة مطلقة ، مثل علم الفلك والفيزياء الرياضية التي تستبدل التجربة بالحسابات الرياضية ، ففي علم الفلك مثلا لا يمكن للعلماء اجراء تجارب ، نظرا لضخامة الكون واتساعه ، وهنا يلجؤون الى الرياضيات التي تمدهم بما يحتاجون اليه في معرفة حجم الكواكب وسرعتها ومجال دورانها ، وهذا ما ساعدهم على تحديد وقت ومكان الخسوف أو الكسوف بدقة متناهية ، ومن الامثلة على ذلك أن لوفريي وهو عالم رياضيات متخصص في الفلك، قام باكتشاف كوكب نبتون عن طريق حسابات رياضية بحتة ، دون القيام بأي تجربة ودون ان يراه عن طريق الملاحظة، يقول برغسون :" العلم الحديث ابن الرياضيات لم يتولد إلا بعدما صار الجبر مرنا قادرا على شبك الحقائق و الإيقاع بها في شباكه" .
النقد: صحيح ان العلوم المختلفة تعتمد على الرياضيات . ولكن لا يمكن ان تكون هي المقياس الوحيد للعلم لان هناك علوم لا تستخدم اللغة الرمزية كالعلوم الانسانية مثلا .
التركيب :
من الرأيين السابقين يمكن القول أن العلم يقوم على دعامتين هما المنهج التجريبي من جهة ، والرياضيات من جهة اخرى ، فالعالم يجب ان يتصف بصفتين رئيسيتين : الاولى ان يكون ملما بطرق التجريب ، والثانية ان يكون متمكنا من علم الرياضيات ، لأن البحث عن الحقائق العلمية ينطلق في البداية من المنهج التجريبي ، وما يجب على الباحث ان يقوم به من ملاحظة ، ووضع الفرضيات المناسبة ، التي يتأكد منها في النهاية ، عن طريق المنهج التجريبي وعندما يصل الى نتيجة ، يخلع عباءة المجرب ويلبس بذلة عالم الرياضيات ، الذي يستطيع ان يحول هذه النتيجة ، عن طريق قوانين الرياضيات الى قانون ثابت يصلح لكل زمان ومكان ، وهذا ما يعبر عنه كونت بقوله :" الرياضيات هي الأدلة الضرورية لكل العلوم" .
الرأي الشخصي : وكمساهمة مني في اثراء هذا الموضوع ، اعتقد بأن وجود العلم يعتمد على التجريب بالدرجة الاولى ، خاصة مع التطور التكنولوجي الذي نعرفه ، والذي يمد العلم بما يحتاج اليه من وسائل ، تساعده على اجراء تجارب متطورة ، ولكن هذا لا يعني اغفال دور الرياضيات ، ولغتها الرمزية اذ نجد مثلا اليوم عمليات البرمجة التي تتحكم في الاجهزة ، تتم عن طريق اللغة الرمزية فكل البرامج نجدها تتكون من كم هائل من الرموز، لا يفقه معناه الا العلماء المختصون في هذا المجال .
الخاتمة :
وفي الاخير استنتج بان العلم لم يأت من فراغ ، وإنما كان نتيجة جهود متواصلة استمرت عدة قرون ، حتى استطاع العلماء ضبط العلم وفق مقاييس محددة ، تسمح لنا بالوصول الى نتائج صادقة ومضبوطة ، هذه المقاييس كانت ناتجة عن المذهبين العقلاني والتجريبي، فكل منهما افاد العلم بطريقته الخاصة ،اذ ساهم المذهب التجريبي في ظهور المنهج التجريبي ، الذي احدث ثورة علمية في العصر الحديث والحالي ، كما ان المذهب العقلاني كان له ايضا فضلا لا يمكن انكاره ، لأنه ادى الى اعتماد العلم على الرياضيات، حيث نجد العقلانيين قد اكدوا على اهمية الرياضيات منذ القديم ، وهذا ما عبر عنه افلاطون في اللافتة التي وضعها على باب اكاديميته :" من لم يكن رياضيا فلا يطرق بابنا " .
لقد عرفت البشرية في العصر الحديث نهضة صناعية وعلمية في مختلف المجالات ، حيث كثرت الاكتشافات والاختراعات ، وتمكن الانسان من فهم الكثير من اسرار الطبيعة وقوانينها ، بفضل العلوم المختلفة التي ظهرت مثل الفيزياء والكيمياء ، وكذا ظهور المنهج التجريبي الذي احدث ثورة علمية في مختلف المجالات . والمنهج التجريبي هو منهجية منظمة تهدف الى دراسة الظواهر الطبيعية واحداثها استنادا الى التجربة ، وهذا المنهج كان سببا في ظهور جدل بين العلماء والفلاسفة ، حيث اعتقد بعضهم انه سبب ظهور العلوم ، وانه هو المقياس الوحيد للعلم . بينما يعترض البعض الاخر على ذلك ، ويصر على ان للعلم مقياس اخر يتمثل في اللغة الرمزية القائمة على أساس الرياضيات . وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل هل يقوم العلم على اساس المنهج التجريبي ام على اساس اللغة الرمزية ؟
محاولة حل المشكلة :
الأطروحة الاولى : يعتقد أنصار المنهج التجريبي ومن بينهم كلود برنار وجون ستيوارت ميل وفرانسيس بيكون أن وجود العلم يتوقف على وجود المنهج التجريبي وبعبارة أخرى ان العلم يستمد مصداقيته وسلامة نتائجه من خلال اعتماده على هذا المنهج الذي يسمح لنا بالتأكد من صحة النتائج ويضفي عليها صبغة علمية ويبررون رأيهم هذا بجملة من الحجج منها :
- ان العلوم لم تظهر الا بعد ظهور المنهج التجريبي اذ يؤكد التاريخ حسب اوغست كونت ان التفكير البشري مر بثلاث مراحل في تاريخه وهي اللاهوتي ثم الفلسفي واخيرا العلمي الذي ظهر بعد ظهور المنهج الاستقرائي ، ففي الماضي كانت الفلسفة تدرس جميع الظواهر بطريقة فلسفية قائمة على الجدل دون الوصول الى حل متفق عليه يلغي المشكلة ، ولكن مع ظهور المنهج التجريبي على يد انصار المذهب التجريبي تخلى العلماء عن التفكير الفلسفي وتحولوا الى دراسة الظواهر الطبيعية عن طريقة التجربة وهذا ما أدى إلى ظهور العلوم المختلفة حيث كانت البداية مع علوم المادة الجامدة وعلى رأسها الفيزياء والكيمياء ثم ظهرت علوم المادة الحية واخيرا العلوم الانسانية التي كانت اخر العلوم انفصالا عن الفلسفة .
- ان المنهج التجريبي هو منهجية منظمة ومضبوطة تعطينا نتائج علمية لا شك فيها ، ذات صبغة علمية . حيث نجد هذا المنهج يتكون من ثلاث خطوات اساسية وهي الملاحظة المتمثلة في مشاهدة الظاهرة من مختلف الجوانب لتكوين فكرة شاملة عنها ثم تأتي مرحلة الفرضية وهي عبارة عن فكرة مؤقتة عن الظاهرة في انتظار التأكد منها بواسطة التجربة والفرضية شرط ضروري في المنهج التجريبي لأنها تحدد لنا نوع التجربة التي يجب القيام بها حيث يقول بوانكاري :" ان التجريب دون فكرة سابقة غير ممكن " و يوافقه كلود برنار بقوله :" ينبغي بالضرورة أن نقوم بالتجريب مع الفكرة المتكونة من قبل " وأخيرا تأتي مرحلة التجربة وهي تكرار الظاهرة في ظروف اصطناعية للتأكد من سلامة الفرضية فان كانت صحيحة تحولت إلى قانون علمي وإن كانت خاطئة بحثنا عن فرضيات جديدة . هذه الخطوات الثلاث يلخصهاكلود برنار في قوله :" يوحي الحادث بالفكرة ، والفكرة تقودنا الى التجربة وتوجهها ، والتجربة تحكم بدورها على الفكرة " .
- ان المنهج التجريبي يمتاز بالمرونة فهو يناسب جميع الظواهر التي نريد دراستها اذ يمكن التخلي عن مرحلة أو أكثر من مراحله ان اقتضت الضرورة ذلك فمثلا لدراسة مركز الارض نكتفي بالفرضيات لأننا لا نستطيع الملاحظة ولا التجريب ومع ذلك تعتبر هذه الطريقة طريقة علمية لأننا لا نملك وسائل اخرى لدراستها عدا المنهج التجريبي يقول كلود برنار :" ان التجريب هو الوسيلة الوحيدة التي نملكها لنطلع على طبيعة الأشياء التي هي خارجة عنا "
النقد : صحيح ان العلم يعتمد على المنهج التجريبي ولكنه ليس المقياس الوحيد للعلم لأننا نجد الرياضيات مثلا هي أشد العلوم دقة ووضوحا ولكنها لا تستخدم المنهج التجريبي
الأطروحة الثانية : في الجهة المقابلة يعتقد انصار الرياضيات ومن بينهم غاليلي وبرغسون ان الرياضيات هي اساس العلم لما تتميز به من لغة رمزية تساعد الباحثين والعلماء على ضبط النتائج على شكل قوانين تحدد العلاقات الثابتة بين مختلف الظواهر وهذه القوانين تكون صالحة لكل زمان ومكان أي أننا لا نستطيع أن نصف نتيجة ما على أنها علمية الا إذا كانت مكتوبة بلغة رمزية حيث قال أوجست كونت :" الرياضيات أكثر من علم إنها النظام العام للفكر و الأشياء" ويبررون رأيهم هذا بعدة حجج نذكر منها :
- ان علم الرياضيات ظهر قبل ظهور المنهج التجريبي بمئات السنين ، ويمتاز هذا العلم عن غيره من العلوم الاخرى بالدقة واليقين ، فلا يوجد علم اخر يضاهي الرياضيات في وضوحها وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى اعتماد الرياضيات على اللغة الرمزية التي تسمح بتبسيط المفاهيم وضبطها بطريقة واضحة يقول برغسون :" الرياضيات هي اللغة الوحيدة التي يجب أن يتكلم بها كل علم" ويقول ثابت الفندي :" إذ أن العلوم الأخرى ، وعلى رأسها الرياضيات، اصطنعت اللغة الرمزية التي اثبت استعمالها أن العلوم غير ممكنة بدونها وفيها يكمن سر النجاح المنقطع النظير في العلوم المضبوطة "
- ان جميع العلوم تعتمد على الرياضيات ، فلا يخلو علم منها ، حيث نجد كل العلوم تعتمد على الرياضيات في ضبط نتائجها بطريقة علمية على شكل قوانين ، لأن " الطبيعة كتبت قوانينها بلغة رياضية " كما يقول غاليلي . بل ونجد الكثير من العلوم التي تعتمد على الرياضيات بصورة مطلقة ، مثل علم الفلك والفيزياء الرياضية التي تستبدل التجربة بالحسابات الرياضية ، ففي علم الفلك مثلا لا يمكن للعلماء اجراء تجارب ، نظرا لضخامة الكون واتساعه ، وهنا يلجؤون الى الرياضيات التي تمدهم بما يحتاجون اليه في معرفة حجم الكواكب وسرعتها ومجال دورانها ، وهذا ما ساعدهم على تحديد وقت ومكان الخسوف أو الكسوف بدقة متناهية ، ومن الامثلة على ذلك أن لوفريي وهو عالم رياضيات متخصص في الفلك، قام باكتشاف كوكب نبتون عن طريق حسابات رياضية بحتة ، دون القيام بأي تجربة ودون ان يراه عن طريق الملاحظة، يقول برغسون :" العلم الحديث ابن الرياضيات لم يتولد إلا بعدما صار الجبر مرنا قادرا على شبك الحقائق و الإيقاع بها في شباكه" .
النقد: صحيح ان العلوم المختلفة تعتمد على الرياضيات . ولكن لا يمكن ان تكون هي المقياس الوحيد للعلم لان هناك علوم لا تستخدم اللغة الرمزية كالعلوم الانسانية مثلا .
التركيب :
من الرأيين السابقين يمكن القول أن العلم يقوم على دعامتين هما المنهج التجريبي من جهة ، والرياضيات من جهة اخرى ، فالعالم يجب ان يتصف بصفتين رئيسيتين : الاولى ان يكون ملما بطرق التجريب ، والثانية ان يكون متمكنا من علم الرياضيات ، لأن البحث عن الحقائق العلمية ينطلق في البداية من المنهج التجريبي ، وما يجب على الباحث ان يقوم به من ملاحظة ، ووضع الفرضيات المناسبة ، التي يتأكد منها في النهاية ، عن طريق المنهج التجريبي وعندما يصل الى نتيجة ، يخلع عباءة المجرب ويلبس بذلة عالم الرياضيات ، الذي يستطيع ان يحول هذه النتيجة ، عن طريق قوانين الرياضيات الى قانون ثابت يصلح لكل زمان ومكان ، وهذا ما يعبر عنه كونت بقوله :" الرياضيات هي الأدلة الضرورية لكل العلوم" .
الرأي الشخصي : وكمساهمة مني في اثراء هذا الموضوع ، اعتقد بأن وجود العلم يعتمد على التجريب بالدرجة الاولى ، خاصة مع التطور التكنولوجي الذي نعرفه ، والذي يمد العلم بما يحتاج اليه من وسائل ، تساعده على اجراء تجارب متطورة ، ولكن هذا لا يعني اغفال دور الرياضيات ، ولغتها الرمزية اذ نجد مثلا اليوم عمليات البرمجة التي تتحكم في الاجهزة ، تتم عن طريق اللغة الرمزية فكل البرامج نجدها تتكون من كم هائل من الرموز، لا يفقه معناه الا العلماء المختصون في هذا المجال .
الخاتمة :
وفي الاخير استنتج بان العلم لم يأت من فراغ ، وإنما كان نتيجة جهود متواصلة استمرت عدة قرون ، حتى استطاع العلماء ضبط العلم وفق مقاييس محددة ، تسمح لنا بالوصول الى نتائج صادقة ومضبوطة ، هذه المقاييس كانت ناتجة عن المذهبين العقلاني والتجريبي، فكل منهما افاد العلم بطريقته الخاصة ،اذ ساهم المذهب التجريبي في ظهور المنهج التجريبي ، الذي احدث ثورة علمية في العصر الحديث والحالي ، كما ان المذهب العقلاني كان له ايضا فضلا لا يمكن انكاره ، لأنه ادى الى اعتماد العلم على الرياضيات، حيث نجد العقلانيين قد اكدوا على اهمية الرياضيات منذ القديم ، وهذا ما عبر عنه افلاطون في اللافتة التي وضعها على باب اكاديميته :" من لم يكن رياضيا فلا يطرق بابنا " .
إرسال تعليق