يسر مدونة التربية و التعليم ان تقدم لكم :
مقالة جدلية حول العنف و التسامح للسنة الثالثة ثانوي جميع الشعب 2020 - 2021 من اعداد الاستاذ القدير صوالحي جعلها الله في ميزان حسناته.
1- المقدمة :
إن المسؤولية و الحرية و ارتباطهما بعظمة الإنسان يتطلب منه ثقافة التعايش وإحلال السلام و نبذ العنف و ثقافة الظلم و نشر فكرة العفو عند المقدرة و سعة الصدر و التسامح ، وإذا كان العنف هو استعمال القوة أو كل عمل يضغط به شخص على إرادة الغير, و كان التسامح هو معاملة الإنسانية من منظور الإحترام و التعاون الأخلاقي ، فإن هذا يعني انه لا يمكن الجمع بينهما انطلاقا إذ أنه لا يمكن الجمع بين النقيضين و هذا ما تجلى من خلال طروحات الكثير من الدارسين ، لكن في المقابل نجد من أكد أنه ينبغي التخلي عن فكرة الصراع إنطلاقا من أن الإنسان المعاصر أصبح يهدف إلى تحقيق الحوار الحضاري ، لذا هل من الصواب الجمع بين الاعتقادين و هل يمكن التصديق بالطرح القائل أن العنف لا يولد إلا العنف؟ أم أن العنف هو أصل البقاء و البناء ؟ بل هل يمكن مقابلة العنف بالتسامح ؟.
2- الموقف 1 :
يرى العديد من الفلاسفة أن القوة المادية و المعنوية التي تصاحب العنف مشروعة و لها إيجابياتها الكامنة فيها ، فمنذ بدأت الإنسانية حياتها بدأ الصراع وهذا يؤكد في نظرهم على أن العنف يعني الحياة إذ تتعذر سيرورتها من ذونه ، و يذهب أنصار هذا الطرح للتأكيد على فكرة أساسية مضمونها أنه توجد جملة من الأسباب النفسية , الاجتماعية , الاقتصادية و السياسية جعلت العنف مشروعا من أجل البقاء ،فالعنف هو أصل حركة العالم و إثبات الذات بل هو أداة شرعية أخلاقية من أجل استرجاع الحقوق المغتصبة والتخلي عن فكرة الصراع في حياة الإنسان هو تعبير عن الضعف و الرضوخ للآخر، ومن تم فالعنف عند هؤلاء قوة خلاقة كونه رد فعل طبيعي يلجأ إليه الكائن قصد الدفاع عن ذاته من أجل الحفاظ على بقائه ، ومن بين الفلاسفة القائلين بهذا الطرح نجد في الفلسفة اليونانية الفيلسوف هيراقليطس ، هذا الأخير يعتبر العنف إيجابي ومحرك للعالم ، فقد أكد على أن العنف أصل كل الأشياء و هو ما يتجلى من خلال قوله : " القتال أبو سائر الأشياء " ، إن العنف في نظر هيراقليطس خصوبة يولد الحياة و الموت على حد سواء كي تستمر الحياة ،وهذا ما أكده في قوله : " العنف أصل العلم ومحركه فلا شيء يأتي من اللاشيء فلكي تكون الأشياء لابد من نفي الشيء وتحطيمه ، فالقتال هو ظابو سائر الأشياء و ملك كل شيء و العنف خصوبة لكنه أيضا موت يتضمن الحياة ، و الأشياء تعرف بأضدادها آلا ترى أن الحياة تولد في رحم الموت ؟ " ، ويقول أيضا : " فصراع الأضداد قانون طبيعي ، بمقتضى أن النقيضين لا يجتمعان ، وبحكم أن الشيء يميل إلى مثله وينفر من ضده ".
و يوافقه في هذا الطرح الفيزيومونولوجيين ومن بينهم "كالكاس" حيث أشار إلى أنه إذا ما كان العنف هو المسيطر في الطبيعة فإنه ينبغي أن يسيطر على حياة الأفراد ، وإذا كان قانون الطبيعة هو "البقاء للأقوى " و كان الإنسان جزء من هذا الوجود فلما لا يطبق هذا القانون ؟ فاللبؤة مثلا تقتل أحد صغارها إذا ولد بعاهة لأن ذلك الشبل سوف يجد نفسه يوما غير قادر على اصطياد الفريسة فيكون له أثرا سلبيا على مملكة الغاب ، حيث يقول : " العنف و القوة مصدر كل سلطة اذا كان القوي في الطبيعة هو الذي يسيطر فإنه من العدل ان يكون الامر كذلك في المجتمع الانساني ففي الطبيعة اللبؤة تأكل صغيرها اذا ولد بعاهة لانه مجال مفتوح على الصراع من أجل البقاء للقوي آكل الضعيف ، وكذلك في المجتمع الانساني فمن العدل ان يكون الأقوى فيه هو المتفوق و صاحب السلطة ".
و قد نحا كل من جون جاك روسو ، وكارل ماركس ، و في الحتمية الطبيعية نجد إنجلز بتقديمهم مجموعة من المبررات التي تجعل من العنف عملا مشروعا ، وتغيير لواقع الإنسان وتحريره من كل أشكال الإستبداد والإستغلال ، وفي هذا يقول جون جاك روسو : " العنف وسيلة أخلاقية مادام يقف في وجه الإضطهاد والظلم ومن حيث أنه وسيلة تسعى إلى استرجاع الحقوق المغتصبة إلى أصحابها ، و لتحقيق العدل بدل الظلم "، و بهذا فالعنف في نظر روسو وسيلة ضرورية رغم أنه فعل شرير إلا أنه يكون من أجل غاية سامية ، ولأن الضرورة تتطلب تقتضي ممارسته . ويوافقه في هذا الطرح المفكر الإيطالي صاحب كتاب الأمير : ميكيافيلي ، الذي يرى في ممارسة السياسة والسلطة وجوب ممارسة العنف لأنه أساس القوة ولا يمكن لأي سلطة أن تفرض نفسها على غيرها دون قوة العنف ، سواء تعلق الأمر بالمجتمع الحيواني أو المجتمع الإنساني ، كما اعتبره مبدأ كوسيلة لإستقرار الحكم في القرن السادس عشر ، يقول ميكيافيلي : " العنف هو القضية الأساسية التي تمكن من أنجاز أي مشروع خاص في مجال الحكم " .
يرى العديد من الفلاسفة أن القوة المادية و المعنوية التي تصاحب العنف مشروعة و لها إيجابياتها الكامنة فيها ، فمنذ بدأت الإنسانية حياتها بدأ الصراع وهذا يؤكد في نظرهم على أن العنف يعني الحياة إذ تتعذر سيرورتها من ذونه ، و يذهب أنصار هذا الطرح للتأكيد على فكرة أساسية مضمونها أنه توجد جملة من الأسباب النفسية , الاجتماعية , الاقتصادية و السياسية جعلت العنف مشروعا من أجل البقاء ،فالعنف هو أصل حركة العالم و إثبات الذات بل هو أداة شرعية أخلاقية من أجل استرجاع الحقوق المغتصبة والتخلي عن فكرة الصراع في حياة الإنسان هو تعبير عن الضعف و الرضوخ للآخر، ومن تم فالعنف عند هؤلاء قوة خلاقة كونه رد فعل طبيعي يلجأ إليه الكائن قصد الدفاع عن ذاته من أجل الحفاظ على بقائه ، ومن بين الفلاسفة القائلين بهذا الطرح نجد في الفلسفة اليونانية الفيلسوف هيراقليطس ، هذا الأخير يعتبر العنف إيجابي ومحرك للعالم ، فقد أكد على أن العنف أصل كل الأشياء و هو ما يتجلى من خلال قوله : " القتال أبو سائر الأشياء " ، إن العنف في نظر هيراقليطس خصوبة يولد الحياة و الموت على حد سواء كي تستمر الحياة ،وهذا ما أكده في قوله : " العنف أصل العلم ومحركه فلا شيء يأتي من اللاشيء فلكي تكون الأشياء لابد من نفي الشيء وتحطيمه ، فالقتال هو ظابو سائر الأشياء و ملك كل شيء و العنف خصوبة لكنه أيضا موت يتضمن الحياة ، و الأشياء تعرف بأضدادها آلا ترى أن الحياة تولد في رحم الموت ؟ " ، ويقول أيضا : " فصراع الأضداد قانون طبيعي ، بمقتضى أن النقيضين لا يجتمعان ، وبحكم أن الشيء يميل إلى مثله وينفر من ضده ".
و يوافقه في هذا الطرح الفيزيومونولوجيين ومن بينهم "كالكاس" حيث أشار إلى أنه إذا ما كان العنف هو المسيطر في الطبيعة فإنه ينبغي أن يسيطر على حياة الأفراد ، وإذا كان قانون الطبيعة هو "البقاء للأقوى " و كان الإنسان جزء من هذا الوجود فلما لا يطبق هذا القانون ؟ فاللبؤة مثلا تقتل أحد صغارها إذا ولد بعاهة لأن ذلك الشبل سوف يجد نفسه يوما غير قادر على اصطياد الفريسة فيكون له أثرا سلبيا على مملكة الغاب ، حيث يقول : " العنف و القوة مصدر كل سلطة اذا كان القوي في الطبيعة هو الذي يسيطر فإنه من العدل ان يكون الامر كذلك في المجتمع الانساني ففي الطبيعة اللبؤة تأكل صغيرها اذا ولد بعاهة لانه مجال مفتوح على الصراع من أجل البقاء للقوي آكل الضعيف ، وكذلك في المجتمع الانساني فمن العدل ان يكون الأقوى فيه هو المتفوق و صاحب السلطة ".
و قد نحا كل من جون جاك روسو ، وكارل ماركس ، و في الحتمية الطبيعية نجد إنجلز بتقديمهم مجموعة من المبررات التي تجعل من العنف عملا مشروعا ، وتغيير لواقع الإنسان وتحريره من كل أشكال الإستبداد والإستغلال ، وفي هذا يقول جون جاك روسو : " العنف وسيلة أخلاقية مادام يقف في وجه الإضطهاد والظلم ومن حيث أنه وسيلة تسعى إلى استرجاع الحقوق المغتصبة إلى أصحابها ، و لتحقيق العدل بدل الظلم "، و بهذا فالعنف في نظر روسو وسيلة ضرورية رغم أنه فعل شرير إلا أنه يكون من أجل غاية سامية ، ولأن الضرورة تتطلب تقتضي ممارسته . ويوافقه في هذا الطرح المفكر الإيطالي صاحب كتاب الأمير : ميكيافيلي ، الذي يرى في ممارسة السياسة والسلطة وجوب ممارسة العنف لأنه أساس القوة ولا يمكن لأي سلطة أن تفرض نفسها على غيرها دون قوة العنف ، سواء تعلق الأمر بالمجتمع الحيواني أو المجتمع الإنساني ، كما اعتبره مبدأ كوسيلة لإستقرار الحكم في القرن السادس عشر ، يقول ميكيافيلي : " العنف هو القضية الأساسية التي تمكن من أنجاز أي مشروع خاص في مجال الحكم " .
إضافة إلى هؤلاء الفلاسفة ،أكد المفكر الألماني فريدريك نيتشه على أن القوة و العنف هما الأساس في بقاء البشرية إذ لا مجال للتسامح و الأخلاق في حياة الإنسان ، لأن الأخلاق من صنع الضعفاء طبقوها كوسيلة لحماية أنفسهم من طمع الأقوياء ، أي أن الذي يمتلك القوة يمتلك الحق ، إذ يقول نيتشه: " العنف سلاح طبيعي مناسب للصراع من أجل البقاء " . إن إزدواجية الأنا والآخر تتألف في شكل صراع لأن طبيعة الإنسان تتميز بالأنانية ولاستمرار الذات يجب إقصاء الآخر الذي يهدد وجودها ، لأن واقع الإنسان يتشكل من تركيبات سيكوسوسيولوجية لأجناس متباينة ، مايجعل الإنسان على حد تعبير توماس هوبز : " ذئب لأخيه الإنسان " ، وعلى حد تعبير نيتشه ؛ لا يمكن مقابلة العنف إلا بالعنف، ومن ثم فإن مطلب التسامح لا يعدو أن يكون سوى عقيدة للعبيد والضعفاء, الذين يفتقرون إلى الإرادة والقدرة على الانتقام، وهو مؤشر على العجز والانحطاط, ومظهر من مظاهر الخنوع والترويض والاستكانة, علاوة على أنه ينطوي على مقدار كبير من المهانة والاحتقار للكرامة الإنسانية.
وقد أكد فريدريك إنحلز على أن العنف هو أساس البناء و التحرر ، فالظروف التي عاشتها الطبقة العاملة في ظل الاقتصاد الرأسمالي تميزت بالقمع لأن العامل كان يشعر بالغربة في عمله و هو ما أدى إلى قيام الثورة من أجل تغيير النظام و تحقيق العدالة الإجتماعية ، و هذا يعني أنه لا يمكن فهم العنف فقط من الجانب السلبي بل هو وسيلة من أجل غاية سامية ، فرغم أنه يسبب الهدم والفناء إلا أنه في نظره يولد مجتمعا جديدا وذلك عن طريق تصحيح الواقع المتردي لبناء مجتمع تتأصل فيه قيم العدل والمساواة ، بصورة تتناسب أكثر مع قيم الخير والعدل والمساواة في الحياة من خلال النظام السياسي الإشتراكي ، فأمام العنف الاجتماعي المقنع (اللامساواة الاجتماعية ، الطبقية و اللاعدل ، و الاضطهاد،الإستبداد والتعسف) يوجد عنف مضاد عادل هو العنف الايجابي البناء الذي يهدف الى تصحيح الوضع ومنع السلطة من استبعاد شعوبها ، فالثورة الأصلية في أساسها أخلاقية أمام الاضطهاد و الظلم حيث تسترجع الحق المسلوب وتحقق العدل . وهذا مايتفق معه كارل ماركس ، إذ تؤمن الماركسية بفكرة أن التغيير في النظام الاجتماعي لا يكون إلا بفعل العنف والصراع الطبقي لكسر الطبقية والاستغلال وهذا مايؤكده ماركس بقوله : " الرجال يصنعون تاريخهم بأيديهم من خلال الصراع والنزاع " .
ومن الناحية التحليلية نجد عالم النفس سيغموند فرويد الذي يرى أن طبيعة الإنسان الأنانية تقتضي إستعمال العنف من أجل إثبات الذات ، وقد يصل به الأمر أيضا إلى قتل نفسه بالإنتحار تعبيرا عن رفضه للواقع الذي يضغط عليه ، أو هروبا واستسلاما منه إليه ، حيث أكد أن الفر د تحكمه نزعة الحياة ( إيروس ) و نزعة الموت ( تيناطوس ) ، الأولى تنزع نحو المحافظة على حياة الذات ، والثانية تنزع نحو إرجاع الحياة إلى السكون ، هذا ما يفسر سلوكه العدواني لأنه يسعى إلى التملك , فرض السلطة , البقاء و تلبية كل الرغبات , لكن يجد نفسه خاضعا لقيد إسمه الغير و آخر إسمه الموت ، هذا ما يحدث له الكبت و الحقد على كل من وقف ضد رغباته ، يقول فرويد : " ليس الإنسان قطعا ذلك الكائن الطيب والذي يقال عنه أنه يدافع عن نفسه عندما يهاجم بل هو العكس من ذلك كائن يتحتم عليه أن يضع في حساب معطياته الغريزية نصيبا كبيرا من العدوانية " ، إذا العنف في نظر فرويد هو قصد عدواني الهدف منه هو الدفاع عن النفس وإثباث الذات ونفي الآخر الذي تكرهه الذات وتحقد عليه ويؤكد فرويد على أن جذور كل مظاهر العنف تعود إلى النفس والعالم الذاتي للشخصية ، وهذا يعني أن العنف يعتبر من مقومات الكائن البشري ، ومصدر سلوكاته ، فهو ميل طبيعي في الإنسان حسبه ، مثله مثل باقي الحيوانات ، لأن الحياة برأيه صراع مستمر بين غريزة الحياة والبناء وغريزة الموت والفناء كما أشرنا من قبل ، وفي حديثه عن مسألة الكبت يرى أن الضغط الإجتماعي يتحول نفسيا إلى كبت لاشعوري لدى الفرد ليعود متى أتيحت له الفرصة في شكل سلوك عدواني ( عنف ) ضد كل ما يمكن اعتباره مسؤولا عن معاناته وقتلهم .
* النقد 1 :
لكن إذا ما عالجنا الأمور بمثل هذا الطرح فإن العنف لا يقابله إلا العنف ولا يولد إلا الدمار والفساد وليس إصلاح للأمور، وبالتالي هنا يحطم العلاقات الاجتماعية ، و ينشر العداء والضغينة ، فعلى الرغم من أهمية طرح هؤلاء لكن لا يمكن التصديق بما ذهبوا إليه ، فالحقيقة أن فكرة العنف و جدت في المجتمعات البدائية و لا تتناسب مع صفة الإنسان المتحضر، وهو تعبير عن جريمة غير إنسانية ، وقد أتبث العلم أن الحيوانات تستعمله من اجل حاجة بيولوجية فكيف للإنسان أن يستعمله ؟ إذ لا يمكن إخضاع التجمع الإنساني لقانون يحكم الحيوان مادام منفردا بملكة العقل، بل إن الدراسات التي قام بها العالم النفساني فروم أكدت أنه حتى الحيوان ليس عدوانيا إلا في لحظة البحث عن الغداء أو مواجهة خطر خارجي فكيف يتنازل الإنسان عن قيمه الإنسانية إلى مرتبة الحيواني،ثم اذا كان العنف عند الحيوانات له مبرراته ويعطيه المشروعية فان ذلك لا ينطبق على المجتمعات الانسانية فالحيوانات كائنات غير عاقلة تفتقد الى اكتساب القدرة على مقاومة العنف بطرق سلمية و اذا كان العنف في المجتمع الحيواني غريزة دفاعية للحفاظ على البقاء فهو في المجتمع الانساني أداة تدمير فالطبيعة الانسانية تميل الى اللاعنف و السلم لهذا شرعت القوانين و تعلمت من الحروب كيف تحافظ على الامن والسلم ثم إن العنف لا يولد إلا العنف و هذا ما يعني الصراع الدائم بين الآخر الذي نتشارك معه الحياة وعدم الإعتراف به .
وقد أكد فريدريك إنحلز على أن العنف هو أساس البناء و التحرر ، فالظروف التي عاشتها الطبقة العاملة في ظل الاقتصاد الرأسمالي تميزت بالقمع لأن العامل كان يشعر بالغربة في عمله و هو ما أدى إلى قيام الثورة من أجل تغيير النظام و تحقيق العدالة الإجتماعية ، و هذا يعني أنه لا يمكن فهم العنف فقط من الجانب السلبي بل هو وسيلة من أجل غاية سامية ، فرغم أنه يسبب الهدم والفناء إلا أنه في نظره يولد مجتمعا جديدا وذلك عن طريق تصحيح الواقع المتردي لبناء مجتمع تتأصل فيه قيم العدل والمساواة ، بصورة تتناسب أكثر مع قيم الخير والعدل والمساواة في الحياة من خلال النظام السياسي الإشتراكي ، فأمام العنف الاجتماعي المقنع (اللامساواة الاجتماعية ، الطبقية و اللاعدل ، و الاضطهاد،الإستبداد والتعسف) يوجد عنف مضاد عادل هو العنف الايجابي البناء الذي يهدف الى تصحيح الوضع ومنع السلطة من استبعاد شعوبها ، فالثورة الأصلية في أساسها أخلاقية أمام الاضطهاد و الظلم حيث تسترجع الحق المسلوب وتحقق العدل . وهذا مايتفق معه كارل ماركس ، إذ تؤمن الماركسية بفكرة أن التغيير في النظام الاجتماعي لا يكون إلا بفعل العنف والصراع الطبقي لكسر الطبقية والاستغلال وهذا مايؤكده ماركس بقوله : " الرجال يصنعون تاريخهم بأيديهم من خلال الصراع والنزاع " .
ومن الناحية التحليلية نجد عالم النفس سيغموند فرويد الذي يرى أن طبيعة الإنسان الأنانية تقتضي إستعمال العنف من أجل إثبات الذات ، وقد يصل به الأمر أيضا إلى قتل نفسه بالإنتحار تعبيرا عن رفضه للواقع الذي يضغط عليه ، أو هروبا واستسلاما منه إليه ، حيث أكد أن الفر د تحكمه نزعة الحياة ( إيروس ) و نزعة الموت ( تيناطوس ) ، الأولى تنزع نحو المحافظة على حياة الذات ، والثانية تنزع نحو إرجاع الحياة إلى السكون ، هذا ما يفسر سلوكه العدواني لأنه يسعى إلى التملك , فرض السلطة , البقاء و تلبية كل الرغبات , لكن يجد نفسه خاضعا لقيد إسمه الغير و آخر إسمه الموت ، هذا ما يحدث له الكبت و الحقد على كل من وقف ضد رغباته ، يقول فرويد : " ليس الإنسان قطعا ذلك الكائن الطيب والذي يقال عنه أنه يدافع عن نفسه عندما يهاجم بل هو العكس من ذلك كائن يتحتم عليه أن يضع في حساب معطياته الغريزية نصيبا كبيرا من العدوانية " ، إذا العنف في نظر فرويد هو قصد عدواني الهدف منه هو الدفاع عن النفس وإثباث الذات ونفي الآخر الذي تكرهه الذات وتحقد عليه ويؤكد فرويد على أن جذور كل مظاهر العنف تعود إلى النفس والعالم الذاتي للشخصية ، وهذا يعني أن العنف يعتبر من مقومات الكائن البشري ، ومصدر سلوكاته ، فهو ميل طبيعي في الإنسان حسبه ، مثله مثل باقي الحيوانات ، لأن الحياة برأيه صراع مستمر بين غريزة الحياة والبناء وغريزة الموت والفناء كما أشرنا من قبل ، وفي حديثه عن مسألة الكبت يرى أن الضغط الإجتماعي يتحول نفسيا إلى كبت لاشعوري لدى الفرد ليعود متى أتيحت له الفرصة في شكل سلوك عدواني ( عنف ) ضد كل ما يمكن اعتباره مسؤولا عن معاناته وقتلهم .
* النقد 1 :
لكن إذا ما عالجنا الأمور بمثل هذا الطرح فإن العنف لا يقابله إلا العنف ولا يولد إلا الدمار والفساد وليس إصلاح للأمور، وبالتالي هنا يحطم العلاقات الاجتماعية ، و ينشر العداء والضغينة ، فعلى الرغم من أهمية طرح هؤلاء لكن لا يمكن التصديق بما ذهبوا إليه ، فالحقيقة أن فكرة العنف و جدت في المجتمعات البدائية و لا تتناسب مع صفة الإنسان المتحضر، وهو تعبير عن جريمة غير إنسانية ، وقد أتبث العلم أن الحيوانات تستعمله من اجل حاجة بيولوجية فكيف للإنسان أن يستعمله ؟ إذ لا يمكن إخضاع التجمع الإنساني لقانون يحكم الحيوان مادام منفردا بملكة العقل، بل إن الدراسات التي قام بها العالم النفساني فروم أكدت أنه حتى الحيوان ليس عدوانيا إلا في لحظة البحث عن الغداء أو مواجهة خطر خارجي فكيف يتنازل الإنسان عن قيمه الإنسانية إلى مرتبة الحيواني،ثم اذا كان العنف عند الحيوانات له مبرراته ويعطيه المشروعية فان ذلك لا ينطبق على المجتمعات الانسانية فالحيوانات كائنات غير عاقلة تفتقد الى اكتساب القدرة على مقاومة العنف بطرق سلمية و اذا كان العنف في المجتمع الحيواني غريزة دفاعية للحفاظ على البقاء فهو في المجتمع الانساني أداة تدمير فالطبيعة الانسانية تميل الى اللاعنف و السلم لهذا شرعت القوانين و تعلمت من الحروب كيف تحافظ على الامن والسلم ثم إن العنف لا يولد إلا العنف و هذا ما يعني الصراع الدائم بين الآخر الذي نتشارك معه الحياة وعدم الإعتراف به .
3- الموقف 2 :
من هذا المنطلق يرى طرح مغاير وجمهرة من الفلاسفة أن العنف قوة هذامة بالأساس ، لأنه كما أشرنا سلوك تدميري للفرد وللآخرين أيضا ، لأنه يحرمه من الطمأنينة والراحة النفسية فيفقد ثقته بنفسه ويختل توازنه ، كما يفقد احترام الآخرين له ، فالعنف قضاء على الغير من خلال إلحاق الأذى بهم كاحتقارهم واستعبادهم والعمل على إلغاء دورهم في الحياة ، وخير دليل تاريخ الإنسان المليئ بالصراعات والحروب والقتال واستعلاء القوي على الضعيف ، ويذهب أنصار هذا الطرح للتأكيد على فكرة أساسية مضمونها أنه ينبغي مقابلة العنف بالتسامح كفضيلة أخلاقية تعبر عن سمو الإنسان ، وهي دعوة للأخذ بمبدأ التسامح كقيمة أخلاقية عامة بين الناس ، غايتها تحقيق التعايش والتواصل بين بني الانسان في إطار القبول بالتنوع والتعدد الايجابي ، كل بميزاته ، بلا إقصاء أو إلغاء ، هذا الطرح وجد في الوقت الذي حدث فيه إقتناع أنه ينبغي التخلي عن فكرة الحقد و الصراع لأن العنف لا يولد إلا العنف كما لا تطفئ النار نارا ، حيث يرى أنصار هذا الموقف أن استخدام اللين والرفق والحكمة نتيجة التسامح بدلا عن العنف لا يعتبر أبدا تراجعا ولا تخاذلا وجبنا ، وإنما يعبر عن وعي الذات للموقف ومقابلة السيئة بالحسنة والشر بالخير و هذا دليل على تحكمها في الموقف ، ولنا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته أرقى النماذج السلوكية لمقابلة الشر بالخير ، والتعامل بالرفق واللين ، والتأليف بين القلوب بالحسنى ، والارتقاء بالانسان إلى المحبة لأخيه الإنسان ما يحب لنفسه فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن استخدام العنف وحتى الإشارة إليه وهذا ظاهر في أحاديثه وأفعاله ، يقول صلى الله عليه وسلم : " قال :" من أشار إلى أخيه بحديدة ، فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع ، وإن كان أخاه لأبيه وأمه " رواه مسلم.
وقد كان صلى الله عليه وسلم رؤوفا بأسرى الحروب والعبيد ، وذلك يظهر في العديد من أقواله حيث يقول : ":إن الله رفيق يحب الرفق و يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا سواه " ، و كذلك قوله : "من يحرم الرفق يحرم الخير كله " ، فجنوح الإنسان إلى التسامح يعني القبول بالآخر واحترامه والإعتراف به ، وهذا ماجاء في القرآن الكريم ، فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في أحسن صورة و فضله على الخلق ولم ينتظر الشكر من أحد رغم وجود الطاغين والجاحدين لنعمه عليهم ، لكن رحمة الله بعباده أوسع من رحمة إلام بإبنها ، فالرحمة هي التسامح وعدم الإكراه ، و يتجلى ذلك من خلال قوله تعالى : " لا إكراه في الدين , قد تبين الرشد من البغي " .( سورة البقرة – 256 –) ، فالله عز وجل يدعو إلى التسامح و ذلك الإنسان الذي يساوي لا شيء مقارنة بحجم الكون يدعو إلى العنف فهذا غير معقول ، و ذلك يظهر في قوله عز وجل : " أدع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن ، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين "،( سورة النحل128) ، وكذلك في قوله :(في سورة فصلت 34) " و لا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " .
و قد أكد رجي غارودي على فكرة الحوار الحضاري واعتماد التسامح و المحبة من أجل التعايش دون صراع ، و رحب المجتمع الدولي بفكرة التسامح فخصص يوم 16 نوفمبر من كل سنة يوما للتسامح ، إذا فهو الوئام في ظل الاختلاف فهو ليس واجبا أخلاقيا فقط و إنما سياسي وقانوني وهذا ما ورد في ديباجة إعلان بشأن التسامح التي أقرت به اليونسكو في دورتها 28 في 16 /11/1995 تحت شعار " نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا في أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب ... وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره و في سبيل هذه الغايات اعتزمنا أن نأخذ أنفسنا بالتسامح و أن نعيش معا في السلام و حسن الجوار ..." .
و لنا أيضا في حياة غاندي وسيرته الذاتية وكفاحه ، خير دليل عن ثقافة اللين ومقابلة الشر بالخير ، ووزن المواقف بميزان العقل والحكمة عند الاختيار ، بعيدا عن الغريزية والتهور ، يقول غاندي :" لأن اللاعنف هو قانون الجنس البشري ، أما العنف فهو قانون البهيمة " .
و قد أكد إيمانويل كانط على ضرورة اعتماد التسامح و فعل الخير في كتابه مشروع السلام الدائم ، لأن الواجب في معتقده يقتضي ذلك حيث يقول : " إفعل الخير لأنه خير و ابتعد عن الشر لأنه شر "، و هذا يعني أن الاحترام دين لا بد من تأديته لمن يستحقه ، فالتسامح هو قانون أخلاقي مقدس فكل إنسان يجب أن يحاط بالاحترام بوصفه غاية مطلقة بذاته ، ويتفق برترند راسل مع طروحات إيمانويل كانط فمن خلال معايشته الحرب العالمية الأولى و الثانية استنتج انه ينبغي التخلي عن فكرة الصراع والحرب لأن مواجهة العنف بالعنف تؤدي إلى عنف أشد و فتنة أعمق ، و إذا كان الإنسان هو كائن عاقل فإن العقل يصنع الحكمة و الحكمة تعني العمل بالتسامح، في ذلك يقول برترند راسل : " الشيء الذي يحرر البشر هو التعاون , و أول خطوة فيه إنما تتم في قلوب الأفراد ،و المألوف أن يتمني المرء الخير لنفسه ، وينبغي كذلك أن يتمنى الخير للآخرين، " . فبالتعاون بين الأفراد يتم القضاء على العنف وذلك بعد تصفية القلوب من الأحقاد نتيجة وعيهم بهذه الحقائق وأولها ؛ أن من طبيعة الإنسان الخطأ ولكن سرعان مايندم فيعود ويصلح مافعله .
اقترنت فكرة التسامح أيضا بفيلسوف عصر الأنوار فولتير، فبحث فيها ودافع عنها ودعا إليها بقوة ، معتبراً أنّه حين لا يملك الإنسان أفكاراً سليمة عمّا هو إلهيّ فإنّ أوهاماً خاطئة تحلّ مكانها ، فقد مجّد فولتير الاختلاف والتسامح من خلال جملته المشهورة : " قد لا أتفق معك, ولكني سوف أدفع دمي ثمناً لحقك في الكلام ". هذا و يرى فولتير أن التسامح ينبع من الضعف والخطأ البشريين. فبما أن لا أحد منا يتمتع بالمعرفة الكاملة، وبما أننا جميعًا ضعفاء ومختلفين وعرضة للتقلب والخطأ، ينبغي على كل منا أن يسامح الآخر على عيوبه. بالتالي يركز نهج فولتير على التسامح على مستوى التفاعل الشخصي وينطوي على خطر الانزلاق نحو التشكيك الأخلاقي والنسبية الأخلاقية ، كما أكد فولتير في كتابه " مقالة في التسامح أنه ينبغي التخلي عن العنف في كل المجالات وبوجه أخص في مجال الدين و العقيدة و في ذلك يقول : " إننا أبناء من نفس الأب و مخلوقات من نفس الإله . و إننا عجين من النقائص و الأخطاء, إذن فلنتسامح فيما بيننا " .
و قد دافع عن التسامح الفلاسفة الليبراليون والمنظرون السياسيون مثل جون ديوي وكارل بوبر ومايكل والزر وغيرهم ففي القرن العشرين أصبح التسامح يشكل عنصرًا هامًا من عناصر ما يعرف في الوقت الحالي باسم النظرية الليبرالية. فالتاريخ الدموي للقرن العشرين دفع بالكثيرين إلى الاعتقاد بأن هناك حاجة إلى التسامح لإنهاء العنف السياسي والديني.
* النقد 2 :
لكن تاريخ البشرية تاريخ اغتصاب الحقوق ، لهذا من الطبيعي ان يواجه ذلك بالعنف كنوع من الدفاع عن النفس و الحق كما أن تاريخ الثورات في العلم بدأت بطرق سليمة كالأحزاب السياسية لكن هذا الأسلوب لم ينجح فاعتمد أسلوب ماأخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة مثل: الثورة الجزائرية. كما أن الواقع يكشف لنا أن دعاة الديمقراطية هم من شنوا الحرب في العالم وعلى رأسها الو. م . أ ، كذلك عبرت بعض الدراسات المعاصرة أنه لا يمكن التخلي عن منطق القوة لأن الأخلاق من صنع الضعفاء وظفوها كوسيلة لحماية أنفسهم من الضعفاء .
من هذا المنطلق يرى طرح مغاير وجمهرة من الفلاسفة أن العنف قوة هذامة بالأساس ، لأنه كما أشرنا سلوك تدميري للفرد وللآخرين أيضا ، لأنه يحرمه من الطمأنينة والراحة النفسية فيفقد ثقته بنفسه ويختل توازنه ، كما يفقد احترام الآخرين له ، فالعنف قضاء على الغير من خلال إلحاق الأذى بهم كاحتقارهم واستعبادهم والعمل على إلغاء دورهم في الحياة ، وخير دليل تاريخ الإنسان المليئ بالصراعات والحروب والقتال واستعلاء القوي على الضعيف ، ويذهب أنصار هذا الطرح للتأكيد على فكرة أساسية مضمونها أنه ينبغي مقابلة العنف بالتسامح كفضيلة أخلاقية تعبر عن سمو الإنسان ، وهي دعوة للأخذ بمبدأ التسامح كقيمة أخلاقية عامة بين الناس ، غايتها تحقيق التعايش والتواصل بين بني الانسان في إطار القبول بالتنوع والتعدد الايجابي ، كل بميزاته ، بلا إقصاء أو إلغاء ، هذا الطرح وجد في الوقت الذي حدث فيه إقتناع أنه ينبغي التخلي عن فكرة الحقد و الصراع لأن العنف لا يولد إلا العنف كما لا تطفئ النار نارا ، حيث يرى أنصار هذا الموقف أن استخدام اللين والرفق والحكمة نتيجة التسامح بدلا عن العنف لا يعتبر أبدا تراجعا ولا تخاذلا وجبنا ، وإنما يعبر عن وعي الذات للموقف ومقابلة السيئة بالحسنة والشر بالخير و هذا دليل على تحكمها في الموقف ، ولنا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته أرقى النماذج السلوكية لمقابلة الشر بالخير ، والتعامل بالرفق واللين ، والتأليف بين القلوب بالحسنى ، والارتقاء بالانسان إلى المحبة لأخيه الإنسان ما يحب لنفسه فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن استخدام العنف وحتى الإشارة إليه وهذا ظاهر في أحاديثه وأفعاله ، يقول صلى الله عليه وسلم : " قال :" من أشار إلى أخيه بحديدة ، فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع ، وإن كان أخاه لأبيه وأمه " رواه مسلم.
وقد كان صلى الله عليه وسلم رؤوفا بأسرى الحروب والعبيد ، وذلك يظهر في العديد من أقواله حيث يقول : ":إن الله رفيق يحب الرفق و يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا سواه " ، و كذلك قوله : "من يحرم الرفق يحرم الخير كله " ، فجنوح الإنسان إلى التسامح يعني القبول بالآخر واحترامه والإعتراف به ، وهذا ماجاء في القرآن الكريم ، فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في أحسن صورة و فضله على الخلق ولم ينتظر الشكر من أحد رغم وجود الطاغين والجاحدين لنعمه عليهم ، لكن رحمة الله بعباده أوسع من رحمة إلام بإبنها ، فالرحمة هي التسامح وعدم الإكراه ، و يتجلى ذلك من خلال قوله تعالى : " لا إكراه في الدين , قد تبين الرشد من البغي " .( سورة البقرة – 256 –) ، فالله عز وجل يدعو إلى التسامح و ذلك الإنسان الذي يساوي لا شيء مقارنة بحجم الكون يدعو إلى العنف فهذا غير معقول ، و ذلك يظهر في قوله عز وجل : " أدع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن ، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين "،( سورة النحل128) ، وكذلك في قوله :(في سورة فصلت 34) " و لا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " .
و قد أكد رجي غارودي على فكرة الحوار الحضاري واعتماد التسامح و المحبة من أجل التعايش دون صراع ، و رحب المجتمع الدولي بفكرة التسامح فخصص يوم 16 نوفمبر من كل سنة يوما للتسامح ، إذا فهو الوئام في ظل الاختلاف فهو ليس واجبا أخلاقيا فقط و إنما سياسي وقانوني وهذا ما ورد في ديباجة إعلان بشأن التسامح التي أقرت به اليونسكو في دورتها 28 في 16 /11/1995 تحت شعار " نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا في أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب ... وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره و في سبيل هذه الغايات اعتزمنا أن نأخذ أنفسنا بالتسامح و أن نعيش معا في السلام و حسن الجوار ..." .
و لنا أيضا في حياة غاندي وسيرته الذاتية وكفاحه ، خير دليل عن ثقافة اللين ومقابلة الشر بالخير ، ووزن المواقف بميزان العقل والحكمة عند الاختيار ، بعيدا عن الغريزية والتهور ، يقول غاندي :" لأن اللاعنف هو قانون الجنس البشري ، أما العنف فهو قانون البهيمة " .
و قد أكد إيمانويل كانط على ضرورة اعتماد التسامح و فعل الخير في كتابه مشروع السلام الدائم ، لأن الواجب في معتقده يقتضي ذلك حيث يقول : " إفعل الخير لأنه خير و ابتعد عن الشر لأنه شر "، و هذا يعني أن الاحترام دين لا بد من تأديته لمن يستحقه ، فالتسامح هو قانون أخلاقي مقدس فكل إنسان يجب أن يحاط بالاحترام بوصفه غاية مطلقة بذاته ، ويتفق برترند راسل مع طروحات إيمانويل كانط فمن خلال معايشته الحرب العالمية الأولى و الثانية استنتج انه ينبغي التخلي عن فكرة الصراع والحرب لأن مواجهة العنف بالعنف تؤدي إلى عنف أشد و فتنة أعمق ، و إذا كان الإنسان هو كائن عاقل فإن العقل يصنع الحكمة و الحكمة تعني العمل بالتسامح، في ذلك يقول برترند راسل : " الشيء الذي يحرر البشر هو التعاون , و أول خطوة فيه إنما تتم في قلوب الأفراد ،و المألوف أن يتمني المرء الخير لنفسه ، وينبغي كذلك أن يتمنى الخير للآخرين، " . فبالتعاون بين الأفراد يتم القضاء على العنف وذلك بعد تصفية القلوب من الأحقاد نتيجة وعيهم بهذه الحقائق وأولها ؛ أن من طبيعة الإنسان الخطأ ولكن سرعان مايندم فيعود ويصلح مافعله .
اقترنت فكرة التسامح أيضا بفيلسوف عصر الأنوار فولتير، فبحث فيها ودافع عنها ودعا إليها بقوة ، معتبراً أنّه حين لا يملك الإنسان أفكاراً سليمة عمّا هو إلهيّ فإنّ أوهاماً خاطئة تحلّ مكانها ، فقد مجّد فولتير الاختلاف والتسامح من خلال جملته المشهورة : " قد لا أتفق معك, ولكني سوف أدفع دمي ثمناً لحقك في الكلام ". هذا و يرى فولتير أن التسامح ينبع من الضعف والخطأ البشريين. فبما أن لا أحد منا يتمتع بالمعرفة الكاملة، وبما أننا جميعًا ضعفاء ومختلفين وعرضة للتقلب والخطأ، ينبغي على كل منا أن يسامح الآخر على عيوبه. بالتالي يركز نهج فولتير على التسامح على مستوى التفاعل الشخصي وينطوي على خطر الانزلاق نحو التشكيك الأخلاقي والنسبية الأخلاقية ، كما أكد فولتير في كتابه " مقالة في التسامح أنه ينبغي التخلي عن العنف في كل المجالات وبوجه أخص في مجال الدين و العقيدة و في ذلك يقول : " إننا أبناء من نفس الأب و مخلوقات من نفس الإله . و إننا عجين من النقائص و الأخطاء, إذن فلنتسامح فيما بيننا " .
و قد دافع عن التسامح الفلاسفة الليبراليون والمنظرون السياسيون مثل جون ديوي وكارل بوبر ومايكل والزر وغيرهم ففي القرن العشرين أصبح التسامح يشكل عنصرًا هامًا من عناصر ما يعرف في الوقت الحالي باسم النظرية الليبرالية. فالتاريخ الدموي للقرن العشرين دفع بالكثيرين إلى الاعتقاد بأن هناك حاجة إلى التسامح لإنهاء العنف السياسي والديني.
* النقد 2 :
لكن تاريخ البشرية تاريخ اغتصاب الحقوق ، لهذا من الطبيعي ان يواجه ذلك بالعنف كنوع من الدفاع عن النفس و الحق كما أن تاريخ الثورات في العلم بدأت بطرق سليمة كالأحزاب السياسية لكن هذا الأسلوب لم ينجح فاعتمد أسلوب ماأخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة مثل: الثورة الجزائرية. كما أن الواقع يكشف لنا أن دعاة الديمقراطية هم من شنوا الحرب في العالم وعلى رأسها الو. م . أ ، كذلك عبرت بعض الدراسات المعاصرة أنه لا يمكن التخلي عن منطق القوة لأن الأخلاق من صنع الضعفاء وظفوها كوسيلة لحماية أنفسهم من الضعفاء .
4- التركيب :
إن الإنسان ينشد العدل الذي هو في حقيقة الأمر قائم على المصاهرة بين القيم الروحية والمادية مثل الأخلاق والعقل من جهة والقوة المشروعة من جهة أخرى حيث يقول بليز باسكال :" إن العدالة بدون قوة باطلة والقوة من دون عدل ظالمة ".
5- الخاتمة :
في الأخير يمكن التأكيد أن الإنسان طبق العنف من أجل البقاء في مرحلة أرغمته الظروف على ذلك . لكن التحولات التي عرفها التجمع البشري أصبحت تميل أكثر إلى التنظيم و الحضارة مما يعني ضرورة التخلي عن فكرة الصراع, و من ذلك الإيمان بفكرة التسامح و الحوار الحضاري. هذا كله لا يخدم الفرد فقط بل يخدم المجتمع الدولي الذي يهدف إلي مشروع القرية الكونية التي يتم من خلالها إلغاء كل الحدود و كل أسباب التعصب . لكن حكمة الأنسان وعظمته تكمن في قدرته على قبول النقيضين في ذاته ، فيقابل العنف باللاعنف و اللاتسامح بالتسامح ، وكأنه في مجال المفاهيم الأخلاقية يهذب التناقضات ، و يقارب بين المتضادات كمقاربات للتكيف .
إرسال تعليق